الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

اجعلوا مصر العروبة آخر قلاعكم ... لا تدعوها تسقط


تقول لنا دروس التاريخ إنه في كل مرة كانت مصر بخير، فإن الأمة كلها كانت معها بخير، وفي كل مرةٍ تراجع دور مصر، كانت الأمة بأكملها تعيش مأساة التردي والانحدار.

فمصر الموحدة تمكنت من طرد الهكسوس قديمًا، ومصر العزيزة تمكنت من سحق الصليبيين، ومصر الكريمة أجهزت على التتار، واللافت هنا أن كل هذه الانتصارات المصرية كانت على أرض فلسطين، فأي سرٍ هذا الذي يجعل من أرض الكنانة قدرًا بالنسبة للفلسطينيين.

تاريخ مجبول بالدم قديمًا ومعمّد بالدم حديثًا، فآخر خمسة حروب خاضتها مصر كانت كلها في مواجهة الكيان الإسرائيلي، وكلها حروب دفاعٍ عن عروبة وحرية واستقلال فلسطين.

تحاول مجموعات إقليمية عدّة أن تنتهز تراجع عجلة الاقتصاد في مصر، بفعل مؤامرة الإرهاب ومؤامرة الدعاية والحرب النفسية، من أجل الهيمنة على القرار المصري، والدفع بمصر إلى مضاف الدول التي لا وزن لها ولا تأثير، تارة بسبب أحقادٍ دفينة سببها الغيرة والحسد وكراهية الإنجاز المصري، وتارة بسبب محطاتٍ في التاريخ يرغب البعض في استعادتها بعدما دارت عجلة الزمن التي لا يمكن لها أن تعود إلى الخلف، فكانت الاتهامات المرسلة بحق كل ما هو مصري، على أمل أن تنكسر شوكة المصريين أو ينفلتوا إلى مجموعاتٍ متشظية، لكن إرادة الله كانت غالبة، بقيت مصر بينما دفع أعداؤها الثمن في كتب التاريخ وعلى خرائط الجغرافيا.

يظن بعض الواهمين أن مصر الضعيفة تفسح المجال لهم للعب أدوارٍ في الإقليم والمنطقة، ولا يعلم هؤلاء أنه إذا سقطت مصر فلا عروبة بعدها، وإذا انسحبت مصر فلا حروب للأمة تنتصر فيها، وإذا انكفأت مصر على ذاتها فلا مناص من أن يخلّص كل عربي نفسه بنفسه، فمصر التي تعودت على خلع أشواك أشقائها، إذا توجعت فلن يجد هؤلاء من يخلع شوكهم بيديه، فاحرصوا على مصر حرصكم على حاضركم ومستقبلكم، ودافعوا عنها فهي آخر قلاع العروبة وآخر أسوار الأمة، وبدون مصر، فلا عروبة ولا أمة.

حاول بعض الصغار في الأشهر الأخيرة أن ينالوا من مصر، فبدأت حرب الشائعات، ثم تلتها حرب البورصات والأسواق المالية، ثم انتقلت المعركة إلى المساومة على الفكر السياسي المصري ونظرته إلى الجيوبوليتيك، وتعامله مع المقدس الوحيد في حياة المصريين السياسية، والمقصود هنا تراب مصر الوطني، فكل حبة تراب وكل ذرة رمل من أرض مصر ارتوت بدماء شهدائها الذين دافعوا عن وطنهم بالمهج والأرواح، وغامر هؤلاء الصغار ليسوقوا لنا سيناريوهات التنازل المصري عن التراب الوطني، وسيناريوهات مؤامرات التقسيم والفصل، وزجوّا باسم مصر وسطها، عن سبق اصرارٍ وترصد، علهم بذلك يكسبوا معركة الرأي العام، لكن فألهم خاب.

فكان الرأي العام المستهدف من النضج بمكان، وكان الجوار العربي يقظًا، بحيث سقطت المؤامرة ووئدت في مهدها، فمن غير مصر الذي دافع على الدوام عن الوحدة الترابية للبلدان العربية، ومن سوى مصر قاتل خارج حدوده الإقليمية دفاعًا عن استقلال البلدان العربية، ومن للقضايا الكبرى في العالم العربي سوى مصر، وهل يظن أحدٌ أن بإمكانه أن يتجاوز هذا الدور وهذه المكانة.

يعرف الفلسطينيون قبل غيرهم ما تمثله القضية الفلسطينية في الوجدان المصري، ويدركون تمامًا أن مصر التي قاتلت بشرفٍ دفاعًا عن حرية فلسطين، لا يمكن لها إلا أن ترعى توافقات الفلسطينيين، وأنها لن تساوم على دورها الثابت في دعم واسناد قضية العرب الأولى، وتعرف مصر بوزنها وكيانها وقوتها الإقليمية العظمى، أن استمرارها في لعب دور الشقيق الأكبر للعرب أجمعين، مرتبط إلى حدٍ كبير ببقاء واستمرار رعايتها للملف الفلسطيني، وهي للحقيقة والانصاف لم تقصّر في هذا الجانب بتاتًا، وإن كان الجميع يتطلع إليها بعين الأمل والرجاء أن تواصل هذا المسعى التوحيدي بين الفلسطينيين، فلعلها تُصلح ما أفسده أشقاءٌ لها وأخوة، أججوا الصراعات وعززوا التشرذم، وساهموا في تمزيق الجسد الواحد.

فلمصر الثناء، ولقيادتها الحكيمة طول البال على خصوماتٍ أرادها البعض فيما تجاوزتها حكمة مصر وعقلانية صانع القرار فيها، فاحذروا أن يصيب مصر مكروه، يومها ستبكي العروبة وستبكي القومية، ولن تقوم للعرب قائمة إلا باستعادة مصر لدورها الرائد والقائد في منطقة لا تزال تغلي منذ التقسيم الأول قبل قرنٍ من الزمن، وتواصل الغليان على أعتاب تقسيم جديد.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط