الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

جمال سليمان.. والنيران الصديقة


كما تحدثت سابقا عن سياسة "النأي بالنفس" بالنسبة لعدد من الفنانين، سأتحدث هذه المرة عن نموذج يمثل النقيض، نموذج على المستوى العربي وتحديدا من الشقيقة سوريا، هو الفنان جمال سليمان الذي قرر منذ عدة سنوات الإعلان عن موقفه والوقوف في صف "المعارضة" السورية بعد أن كان صديقا لأركان النظام السياسي الحاكم في الماضي القريب وأيضا كانت تربطه علاقة طيبة بالرئيس بشار الأسد.

لكن المتابع لجمال سليمان ومواقفه يعرف أن هناك أكثر من مرة عبر فيها عن رأي معارض لطبيعة الأحداث السورية الداخلية سواء في الماضي أو عقب اندلاع الأحداث والحرب الدائرة هناك منذ عام 2011، ومنها ما كان معلن ومنها ما كان في لقاءات غير معلنة، فهو منذ سنوات صاحب "رأي" يسمعه الكثيرون وهو من الفنانين القلائل أصحاب الآراء عن حجج ومنطق وليست آراءً عن "جهل"، ويعترف "سليمان" أنه لم ولن يشارك في مظاهرات من أجل التعبير عن رأيه، فقط هو مواطن سوري صاحب "رأي" وحلمه هو دولة مدنية ديمقراطية تكون بديلا للنظام السياسي الحالي، ورغم نيران الانتقادات الشديدة التي طالته من الأصدقاء قبل الأغراب يقول: "بيني وبينهم التاريخ"، هكذا قال لي ذات مرة.

كما ذكرت من قبل؛ لماذا المصادرة على آراء بعضنا البعض وعدم إتاحة الفرصة للحوار وتجد أن أغلب الهجوم "الإعلامي" يكون دون معرفة بطبيعة الأمور وحقائقها وهو ما يثير علامات استفهام هل هو هجوم لمجرد "ركوب" الموجة ضد شخص ما أو هو هجوم لمصلحة ما! ولا يجب الحكم على الفنان بأنه غير مؤهل لإبداء رأي سياسي "في سطر نكتبه"! فالمبدع هو مواطن في الأساس ويتأثر بمجتمعه وله كل الحق في إبداء آرائه، وعليك أن تأخذ بها أو لا ولكن من الطبيعي أن يكون الفنان والمبدع بصفة عامة صاحب موقف مما يدور حوله.

هذه ليست المرة الأولى التي ينتقد فيها "جمال سليمان" الأمور السياسية في سوريا حدث في 2004 أنه تحدث في لقاء تليفزيوني عن حزب "البعث" الحاكم في سوريا والحاجة لتغيير وضعه بالدولة، وكان ذلك عقب سقوط "بغداد" وبدأ حينها يدور في الغرب حديثا "هامسا" عن ضرورة الإصلاحات في سوريا، والإشارة إلى أنها الحالة الأقرب للعراق في المنطقة، حتى فوجئ بعدها "سليمان" بهجوم إعلامي كبير ضده وامتد الأمر للتضييق عليه في العمل وتوقف رنين هاتفه كما يقول، حتى فوجئ باتصال من المخرج المصري إسماعيل عبد الحافظ يعرض عليه بطولته الأولى بالدراما المصرية مسلسل "حدائق الشيطان" وكانت بمثابة "طوق النجاة" للابتعاد عن الدراما السورية والتي أبتعدت عنه "بفعل فاعل"!

أمر واقع
الآن أصبح جمال سليمان "ركنا" أساسيا في المعارضة السورية الخارجية وتحديدا ما يعرف بـ"منصة القاهرة"، ومن المنتظر أن يشارك نهاية هذا الشهر في "لوزان" في محادثات تخص القوى المعارضة بالكامل مع مبعوث الأمم المتحدة "ديمستورا" وهو ورفاقه يدعون للتحول لدولة مدنية وديمقراطية على أساس تفاهمات لقاءات "جنيف" فهم لا يريدون إسقاط النظام والدولة الحالية بكل تأكيد لأنه ليس في صالح الوطن ولكن يريدون بدء عملية تغيير وإصلاح سياسي تتم خلال الفترة الانتقالية التي تم الحديث حولها في لقاءات "جنيف" وتجده يتعامل بذكاء مع هذا الوضع الجديد عليه، فمثلا منذ عدة سنوات جاءه اتصال من مكتب السفير الأمريكي السابق لدى سوريا "روبرت فورد" يريد أن يتوقف في القاهرة للقائه "كان قادما من تركيا" للحديث معه وبالفعل جاء "فورد" لعدة ساعات وكان "جمال" طلب منه ألا يكون اللقاء بمقر السفارة الأمريكية بالقاهرة وبالفعل ذهب "فورد ومن معه" لمنزل جمال بالقاهرة والذي أحضر بعض المثقفين من رموز "المعارضة" السورية بمصر لمشاركته اللقاء حتى لا يكون وحيدا في لقاء مع فورد ويتم اتهامه باشياء جديدة! وامتد اللقاء لنحو خمس ساعات حول الشأن السوري.

لا يخفى على أحد أن "الحرب الدائرة" في سوريا كانت سببا رئيسيا في إشعالها النظامين القطري والتركي ودول أخرى ولكنهما هما من بادرا بالحديث مع الدولة السورية بعد اندلاع الربيع العربي ووصوله إلى مصر واقترابه من سوريا بعرضهما للتدخل والمساعدة "بشرط" إشراك الإخوان المسلمين في الحكم وتم رفض "العرض" لذلك كانوا أول الداعمين للاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في "درعا" وكان يمكن احتواؤها لو تصرفت إدارة الدولة بحكمة وسرعة مع المشكلة هناك، وفوجئ أهالي درعا "بيد خفية" تعطيهم السلاح والمال! ليزداد الموقف اشتعالا على الأرض وتتدخل القوى الدولية لحماية مصالحهم وإرسال الميليشيات المسلحة للقتال هناك! وتخرج الأمور من تحت سيطرة النظام الحاكم وكان الخاسر هو الشعب السوري ولا أحد غيره.

أعلم أن هناك "مرارة وضيق" بداخل جمال سليمان من انتقاد واتهامات وسائل الإعلام له في أكثر من مكان، ولكنه يقول دائما "بيني وبين هؤلاء التاريخ" وتأقلمت على هذا الوضع، فأنا لم أكن بحاجة أن أفعل ما فعلت وأعادي "النظام"، فكنت أعيش سعيدا جدا وأعتبر من الفئة المميزة في "الدولة"، وكنت أتمنى أن أرى بوادر إصلاح سياسي في سوريا ولكن لم يحدث!

ذات مرة سألت "جمال" عن احتمالية قبوله لمنصب سياسي في المستقبل لو عرض عليه فأجاب "ليس عيبا أن أقبل إذا كان في صالح وطني ويناسبني" ولو لم أجد أملا في تغيير أحوال الوطن وإصلاحه كما أريد سأبتعد وأجلس في "مزرعة" للاستجمام ولكن سأكتب يوما ما "شهادتي" عن تلك الأحداث وغيرها مما شهدته المنطقة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط