الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«عبد ربه» الداعشي السلفي.. قاتل فرج فودة


قبل أن تكبر أعيننا كي ترى ... كان وحده تتجمع حوله كل الرؤى كي يرينا مشيرا للطريق الذى لا نراه وهو يرى..!

قبل أن تشب الأقلام بيد راسمي الخرائط ومحددي مسارات المواجع ... كانت خريطةالآلامالتي وضعها قد ركب لها لسانا وأسنانا وأطلقها عبر كل منافذ وأدوات الوعي كي ترسم لنا وترسم بنا وتحلم حولنا وتحذرنا من مغبة الانزلاق إلى وادي الإرهاب التراثي السلفي الذى صاح على شواطئه محذرا أنه ممتلئا بالأشلاء والدماء ..!

وعندما كان الناس بجهلهم يتخبطون وحول خطاب الهوجة الإعلامية المسماة بالصحوة الإسلامية يتحركون .. ومئات الملايين من الدولارات تُشحن من الخليج بمسارات مشبوهة للإنفاق على رُكاب الأهواء وغبر إعادة الطبعات للتراث الميت وفتاوي القتل .. كان يقف فرج فوده وحيدا بصوته .. كنبي للتنوير لم يتبعه قومه ..!!

غير أن وحدته أصَّلت نظرته وأكدت له صوابية الطريق والنهج وهو يرى قطعان الغنم خلف الغنائم والأحلاف حول الولائم .. والدماء تسيل فوق الخارطة .. كقدر يصنعه الجهل المخزون في الذاكرة ... وللجهل مسار لا يبدله ولا يغيره ..!وإن أمسكنا بدايته وحددنا معالمه سندرك بكل سهوله طبيعة المآلات وشكل النهايات ..!!

لقد كان هذا العظيم فرج فوده ... الفيلسوف والمفكر والباحث والكاتب والناقد والناقم والمتأمل والأمل الممسك بهذه الحقائق وحده والناس عنه في عزوف حتى آتاهم ما تعرفونه اليوم بداعش والنصرة وغيرها من تنظيمات الانحطاط الفكري والعقلي على حد سواء ...!

هذا هو الرجل الذى كان نصيبنا منه كل هذا الإبداع الذى تركه بين السطور ومع ذلك لا زلنا نحجب معارفه عن العقول كي لا يسكن الضوء أدمغة صنعت لنا التطرف والإرهاب التي يطوح برصاصه أمن العالم اليوم وعواصمه ... وليسكن أذاه كل الحواضر التي قامت يوما من تحت رماد الطائفية والحروب الدينية والمذهبية التي تعيدها اليوم داعش السلفية عبر قفاز الدفاع عن أهل السنه فتقتل الجميع بلا فرز باسم فتاوي شيخ إسلامهم بن تيميه التي يتحصنون خلفها وخلف صمت الأزهر والمؤسسات الدينية التي تدين الإرهاب وهي ترهبنا ... وتشجب التطرف وهي تتطرف بنا عندما لا تفتح أصل الداء كي تطهر الجرح من عمق ما سكنه من البلاء في تمثليه رخيصة تستخف بالأمن والأرواح البريئة .

كان كل هذا العطاء وتلك الرؤية المبكرة نصيبنا الموفور من فرج فوده رحمه الله ...
أما نصيبه منا فكان طلقه من بائع السمك المشرد بين خطابات شيوخ السلفية وأشرطها الملقاة على أرصفتنا تنادي بصياحها المارة من الجهلاء والبسطاء لتجعلهم قنابل موقوته في مواجهة المفكرين والعلماء ومستقبل البلاد ..!

كان أحد ضحايا هذه الأشرطة منسق الجريمة ومزودها بالعتاد وخطط التنفيذ - أبو العلا عبد ربه -... الأمي البسيط ... السائر خلف أميته وجهله لا يعرف ما يسلكه من طريق ..!

شحنته الأشرطة بالسم .. وهي تهاجم المفكر فرج فوده الذى قال يوما لأمته ... “الإسلام الصحيح يتحقق بالعقل لا بالمدفع، وبالحوار لا بالقنبلة، وبمعايشة الواقع لا بالهروب منه، وبالتصدي لعلاج مشاكل المجتمع لا بتجهيله، وبالمشاركة بالقول والعمل لا بالاعتزال، وبالاجتهاد لا بإغلاق الذهن، وبالتقدم للمستقبل لا بالبكاء على الأطلال، وليس مُتصور أن يقود المجتمع إلى عصر الفضاء من يتصورون التكنولوجيا بدعة وضلالة، ومن ينظرون لكبار المخترعين على أنهم رسل الصهاينة والإمبريالية ، ومن يفرقون بين الخطأ والصواب بالاستخارة، ومن يخططون للمستقبل من خلال تفسير الأحلام، ومن لا يرون في الحضارة الغربية غير الدعارة والإيدز، والأهم من ذلك كله من يسعون لقيادة المجتمع والحكم دون أن يقدموا برنامجًا سياسيًا يحسمون فيه ما اختلفوا عليه بدءًا من اختيار الحاكم وانتهاءً بالديموقراطية والأحزاب.” ...

ليتلقف خريجي مدارس خطب الجمعة وحائزي أشرطة الفتنه طرف الخيط للانتقام من الرجل الذى أراد أن ينقل أمته من البطالة إلى العمل .. ومن البلادة إلى التفكير بلا ملل .. ومن السكون خلف بيوت تراثيه مهدمه .. إلى تشييد حضارة تشرق على أفقها شموس وعي لا تغيب ..

ولكن قدر العظيم بين الجهلاء أن يكون دمعه رخيص هناك وعلى دراجة نارية يطلق رفاق أبو العلا عبد ربه رصاصة غادرة ليسقط فرج فودة شهيدا للكلمة التي اسقطوها بالرصاص .. وللسطور التي قسموها بالساطور .. وللكتاب الذى جعله قبله الأتقياء حين حالوا بينه وبين الأذكياء ..

ويتم الإمساك بقاتل فرج فوده .. لتسأله المحكمة الموقرة.. في مفارقة عجيبة حين انطلقت.....تحقيقات النيابة ليعترف القاتل- عبد الشافي رمضان- أن أبو العلا عبدربه هو من زوده بالسلاح والأدوات المستخدمة وحدد له طريقة التنفيذ والموعد واختار الموعد قبل عيد الأضحى بأيام قليلة نكاية في أهل فودة ولكي يطفئ فرحتهم بالعيد .

وعندما سأله المحقق بناء على أي نص قتلت الرجل فقال إنه قتله بناء على فتوى للدكتور عمر عبد الرحمن مفتي الجماعة الإسلامية بقتل المرتد، فسأله المحقق ولكنك قلت في التحقيقات إنك أمي لا تقرأ وتعمل ببيع السمك فكيف قرأت الفتوى فرد قائلا لم أقرأ ولكنهم قالوا لي .

وتنتهي عند هذه السطور مأساة تلخص حجم الكارثة التي تحاصرنا بالخطاب السلفي المدعوم أزهريا والذى تركته ولا زالت الدولة كي يطعم من رؤوسنا ثم يستفرغ جهالته كلها ودفعة واحدة في جماجمنا ...

والتي كانت أحد مؤشراتها أن الإرهابي لا يتوب ... ومعتنق هذا الفكر لا يتراجع عن آثامه التي يراها جهادا في سبيل الحق وقربانا لرب في تصوره يعشق القتل ويحب رائحة الدماء فيما يراه الصالحون رحمانا رحيما ..

ويتم بالإعدام على المتهمين الأول والثاني فيما يحكم على أبو العلا عبد ربه منسق الجريمة ومزود مسرحها بالعتاد بالسجن المؤبد فلا تفتح له الأبواب إلا في عهد الرئيس الإخواني محمد مرسي ليعود إلى نفس قبيلته ويذهب إلى جماعته بتنسيق من سلفي مصر لنجد عبد ربه من جديد على جبهات الإرهاب في حلب وفي صفوف جماعات الدواعش هناك .

وليبقى معلقا برقبته دم فرج فوده إلى اللحظة التي اسكتت رصاصات إرهابه طائرة للجيش العربي السوري فكانت هناك وبفعلتها نهايته ..

اليوم نبارك للطائرة ... ونقول إن فرج فودة يصفها وهي ثائرة في وجه الجحيم الذى فتحه الإرهاب المدعوم في مواجهة الاستقرار النسبي الذى كانت تنعم به المنطقة .. من غير أن تتعلم أنها بترك الخطاب السلفي في شوارعنا فإنها تجهز للمستقبل آلاف الشهداء من فرج فوده ... فهل وصلت الرسالة لمن بيده القرار أن يقرر .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط