الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نرمين حلمي تكتب: "خدعوك فقالوا"

صدى البلد

كنت أشاهد حلقة برنامج "هُنا العاصمة" والتي قَدمتها الإعلامية "لميس الحديدي" مع بعض من فريق عمل مسلسل "هذا المساء" والذي عُرض على الشاشات في شهر رمضان الماضي (م2017- 1438هجريًا).

لَفت انتباهي الجُملة الختامية لحوار مخرج ومؤلف المسلسل المبدع "تامر محسن" عندما كان يتحدث عن الأعمال الدرامية التليفزيونية التي كان يتابعها على شاشة التليفزيون خلال الشهر الكريم.

فقد قال: "هستثنى أي مسلسل مش مصري، مسلسل يموت فيه اتنين تلاتة، أو أي مسلسل برايا، وأحس إني مش بتفرج على نفسي...".

دعنا نستوقف عند تلك الجملة دقائق قليلة، فهذا جُل ما يؤمن به مخرج العمل وها هو ما اكتسبته أثناء وبعد مشاهدة العمل.

بدون أدنى شك فمسلسل "هذا المساء" يُجسد كل ما يستحق أن يوصف بعبقرية التصوير والإخراج وإبداع الكتابة والسيناريو والحوار، بالإضافة إلى تألق نجومه ونجاحهم في إبداء أدوارهم على أحسن وجه.

ولكني هُنا لست بصدد الحديث عن عناصر العمل الدرامي المبدع، وَدت في الحديث عما يُضفى جمالًا فوق جمال هذا العمل.

جميلة هي القاهرة ليلًا، هادئ نيلها، لامعة سمائها، صاخبة شوارعها، مُبهجة بسكانها، بديعة و مُريعة بحكايتها، وها هو ما تجلى واضحًا ولامعًا في "هذا المساء".

أعتدنا دومًا أن نفرح بالأعمال الدرامية السينمائية و التليفزيونية المُمتلئة بالمشاهد الغربية، ونسينا أو تناسينا مشاهدنا الشرقية الدالة على شعبيتها ومجتمعاتها، اعتدنا على الهروب من واقعنا واحتضان عادات وتقاليد ليست من سماتنا، اعتدنا أن نُنكر هويتنا ونفتخر بالأصل الأجنبي حتى وإن كان هذا مُصطنعًا أو منقوصًا.

اعتدنا أن نعوج ألسنتنا وننطق باللغات الأجنبية ناسين أصل ومنطق الحضارة العربية ولغة القرآن الكريم، لم أقصد أن أُهمش فائدة تعلم اللغات الأجنبية واضطلاعنا على حضارات وثقافات أخرى، لأن هذا هو زمام تقدم الأمم، ولكني أُنكر التشبث بها وتناسي الأصل.

اعتدنا على الجفى والنسيان والهَجر الناتج عن المسخ والتكرار، حتى تفشى وتأكل من شخوصنا وأرواحنا الحقيقية، وابتعدنا كُل البُعد عن الحنين والصدق والحب الصادق، أعتدنا الملل في العلاقات مُبررين ذلك بالحرية المُقتبسة عن الغرب ومتناسين الود والرحمة والغفران المعروفين عن سمات الشعب المصري.

"هذا المساء" جعلنا نفتح منافذ مُغلقة تناستها البشر، كل نافذة استطاعت أن تُعيد لنا رونق شعبيتنا، تصويره للمواصلات العامة كالمترو والمركب في حضن النيل ومسيرة المواطن المصري المُعتادة، لم تُعد تلك المشاهد الحاضرة لإظهار عودة روح شخصية "أكرم" والذي جسدها النجم "إياد نصار" إلى نفسه فحسب، بل بمجرد انتقاله من الأجواء ذات الطبقة العالية في المجتمع إلى أجواء الطبقة المتوسطة والتي ينتمي في الأصل إليها، فكان هذا بمثابة عودة الكثير منا إلى أصل الشارع المصري.

جعلتنا نسترجع روح الشارع المصري الخالي من الزحام والغوغاء، الشارع المُبهج الجميل حتى بعدم وصوله إلى حَد الكمال، فبعض النواقص مكملات، فهي تُعد تحفة التميز والانفراد بالجمال، أعادنا إلى الشوارع والخانات المُمتلئة بالأغاني الشعبية وصوت أم كلثوم المصري الأصيل.

جعلنا نرى أنفسنا في الشخصيات وأبعادها النفسية المُعقدة، جعلنا ننتظر كل مساء وحكايته ومواله، جعلنا نكره أنانية وضعف "أكرم" ونُحب بهجة "عبلة" لأنها في كل ست مصرية أصيلة، ونعطف على "نايلا" لأنها نصف غربية ونصف شرقية وتائهة ما بين المجتمعين وعاداتهما المختلفين، ونخشى على كل مَن في مثل موكب "سوني" الطيب والوحيد ونُعانق امنًا كل مظلوم مثل "تقى"..

خدعوك فقالوا الشرقي ليس موضة وقديم ولا يُجذب أحدًا، خدعوك فقالوا أن الشرقية لا تُحمل في مشاهدها السينمائية والتليفزيونية سوى رقاصة وطبال وحشاش ونصاب وتجار المخدرات المُجتمعين في قصص هشة وسخيفة وقميئة في الأزقة الضيقة، خدعوك فقالوا الغربي يكسب، خدعوك كي يستسهلوا الأفكار المطروحة للعقول الهاوية للغة السينمائية، لكننا أسترجعنا جمال أساطيرنا المصرية عَبر "هذا المساء" ووجدنا إن ما يمس القلب والعقل معًا هو فقط ما يجعلنا نرى بالمصري كما نتحدث بالمصري لنشعر بالمصري في أجواء مصرية شرقية بحتة خالصة.