الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الفن والحياة


خلق المولي عز وجل الحياة بنظام فني مبدع لا مثيل له ويصعب على الإنسان تقليده كما أبدعه الخالق البديع.. وأنزل إلينا كتبًا سماوية تكون لنا دليلًا شرعيًا نحيا به وعليه.. ولكن تبقى قضية الفن والشرع وأهمية كل منهما للآخر.. وما هي حدود الإبداع وكيف يحدث التوازن بين الفن والشرع؟. قضية ساخنة يجب التعمق فيها والوقوف عند جوانبها بالنقاش والتدبر.. كيف أبدع المولي عز وجل في رسم الأرض على شكلها ونحت الجبال بقوتها وعظمتها وتقسيم السماوات بشكل فريد لا مثيل له ثم يُحَرِم الفن أو يمنع استخدامه على الأرض؟

 اذا تفكرت قليلا في هذا الأمر تجد أنه ضد توازن الكون وضد سيمفونية الحياة الملونة .. فإذا كان استخدام الألوان يضر بالنظام الكوني لخلق الله الأرض على لون واحد أو لونين يتميز كل منهما بالحياد ولكن لتأثير اللون القوي على حياة وصحة الإنسان استخدمه المولي عز وجل في رسم وإخراج مكونات الأرض المختلفة.

حتى البشر خلقهم على عدة ألوان يتميز كل منهم بمواصفات جلدية مختلفة وأحجام وأشكال تتفق أحيانًا وتختلف أحيانًا أخرى على الرغم من أن النهاية تظهر على هيئة واحدة من أصابع وأذرع وأرجل وأعين... فإذا ما نظرت إلى الكون تجد أن الفنان المبدع الأول والأخير هو الخالق البديع الذي وصف نفسه ببديع السماوات والأرض وطرح على عباده نصيبًا من الإبداع حتى يحصل كل منهم على نصيب مكتمل من المقدرة تؤهله للدور الذي نزل من أجله على أرض الله وهو الخلافة للمولى الحق.. فكان كل شيء بإبداع وتميز.

في الرسم على سبيل المثال يجب أن يتعلم الفنان تشريح الجسد حتى يستطيع رسمه ولكي يحترف يجب أن يرسم ويجب أن يقارن بين الأجزاء المختلفة في رسومات الجسد بين الرجل والمرأة.. كيف يمكن أن يتعلم المرء الإبداع وهو تحت إطار من الخوف من شبهة الحرمانية؟.. فالرسام يحتاج إلى التركيز فيما يرسم وفي أدق التفاصيل وهذا يتنافي مع التدقيق لفترة طويلة وبتركيز في الأوجه والأجساد فقد أمرنا المولي بغض البصر وعلى الرغم من ذلك لا تجد نصًا قرآنيًا واحدًا يحرم الرسم والتصوير، ويختلف العلماء فيما بينهم بين القبول والرفض لهذا النوع من الفن.

ولَم يحرم الرسول الفن بل حَرَّم تقديسه وتأليه الرسومات والصور خوفًا على ضعاف النفوس من الشرك بالله، وكذلك النحت حُطِمَت التماثيل التي كانت تُعْبَد وتُؤلّه ولكن اذا اسْتُخْدِمَت للفن فقط فما الضرر منها؟ من المؤكد أن كل عمل قد يفتح علي الإنسان بابًا للقرب من المولى عز وجل أو بابًا للشرك به والتجرأ عليه.

فالطبيب مثلا قد يُزيُده علمه تقوي وزهد في الحياة وقد يزداد كبرًا كلما زاد علمه وفَكَر في تحدي المولي عز وجل باختراعات قد تؤذي البشر ويظن أن لديه سر الخلق والقدرة على تحويل الإنسان إلى قدرات خارقة مضادة لما خُلِق عليه.

كذلك التمثيل، هو وسيلة جيدة لتعليم البشر فما يتم تسجيله في العقل باستخدام الحواس البصرية والسمعية أشد وطئًا على الانسان من القراءة فقط فقد تري مشاهد تمثيلية تمثل لك حقيقة ما أو واقع يحدث في الحياة يمكنك أن تتعلم منها وتكون لك دليلا للهداية وقد تؤدي بك إلى الفسوق والجرأة التي تفتح عليك أبواب الجحيم.. ولا يجب أن ننسي أن الحياة قد قامت على القصص وعلى مجموعة من الحكايات سردها لنا التاريخ علي شكل قصص مصورة تحكي قصة البشر وقصص مكتوبة في الكتب السماوية تمثل لنا الدليل والإرشاد، وتكمن الحرمانية في استخدام تلك الوسيلة في إفساد العقول وإتلاف القلوب وعكس الحقائق حتي يتحول الباطل عُرفًا يُعَلِم البشر الفسوق والكفر بدلًا من الزهد والإيمان.

أما الموسيقي فهي فن التناغم والنغمات، فن يُغَير من وقع الكلمة الملقاة علي الأذن فيجعل القلب يهتز والعين تدمع.. استخدمت الأديان السماوية تلك النغمات الصوتية المؤثرة حتى تُدْخِل الكلمة المقروءة إلى القلب والعقل من أوسع الأبواب.. وهو سلاح خطير في التأثير على بني البشر فإما أن يُسْتَخْدَم ليقترب الإنسان من مولاه وإما أن يشغل قلبه فينصرف عن خالقه فيتحول استخدام النغم إلى طريق للفساد وإفساد العقل والنفس.

وأخيرًا اعتقد أن الاسلام لم يقمع الفن ولَم يقف أمام الإبداع ولكن ينقصنا اجتهادًا فقهيًا متشعبًا في كل المذاهب الدينية وإثبات شرعي لضرورة الفن في الحياة وعلاقة كل منهما بالآخر وقدرة الفن علي تغيير الواقع والتقدم والنهوض بالمجتمع، وتبقى قضية الحرية في الفن وموقف الشرع منها هي القضية التي تحكم علاقة كل منهم بالآخر وتتحكم في القدرة على الإبداع.. فإذا انطلق الفنان في الفن تحت مسمي الحرية في الإبداع فأدى به إلى الفسوق والتجرأ على الخالق فهو حرام يجب الابتعاد عنه والحد منه وإذا استخدم الفن للنهوض بالفكر والمجتمع وتطوير الوسائل الحياتية التي تُسَهل على الإنسان القيام بواجبه نحو خالقه فقد ابدع دون حذّر ودون خوف من وقوع الضرر الذي لا يُحْمَد عقباه. فالفن هو الحياة والحياة قائمة علي مجموعة متباينة من الفنون تجتمع فتشكل الفكر والوجدان وتمثل الحضارات وتسرد التاريخ وتبني الأوطان.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط