الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حينما تخليت عن المثالية وأصبحت شخصًا عاديًا


يبدو أن المثالية الزائدة فى عالمنا هذا وفى هذا التوقيت بالتحديد دون باقى الأزمنة السابقة خطأ فادحاً لابد من معالجته سريعا، حتى لا يقع الشخص المثالى فى براثن من لا قيمة له من البشر،ـ ويبدو أن الإهتمام بالذات الإنسانية أكثر من اللازم ستكون له عواقب وخيمة على المتفلسف دون أن يكون لديه الإمكانيات والقدرة على لبس جلباب المثالية بشكل دائم.

وعلى الرغم من أن هناك أشخاصاً كثيرين لديهم القدرة على الدخول فى المثالية لأعوام طويلة , إلا أن هؤلاء الأشخاص لو بحثت فى أعماقهم ستجد أمراضا كثيرة تسكن فيهم وفى أجسادهم , برغم قدرتهم على تمثيل دور القوى الذى لا يستطيع أحد أن يوجعه.

وما يمكن التأكيد عليه أن الكمال لله وحده وأن كل شىء دونه ناقص وكل شخص يمتلك من الإيجابيات والسلبيات هو شخص طبيعى لأن النقص متلازم للإنسان , ولكن يجب أن لا يطغى الجانب السلبى على الجانب الإيجابى , لأن زيادة الخطأ عن حده هو الخطر فى حد ذاته , ليكون الخطوة الأولى لفساد الفرد والمجتمع.

ولا أخفى عليكم سرا لأنه بالأساس ليس سرا ولكنها تجربة حققت فيها نجاحات وإخفاقات وحققت فيها المثالية التى كنت أنشدها وكنت أبغى الوصول إليها ولكن المثالية الزائدة عن الحد أوجعتنى وجعلتنى من الذين يقدمون السنة على الفرض ، فكان مثلا من أهم ما أبغاه من المثالية هى تحقيق التوازن الإنسانى وتحقيق الترفع عن الأشياء التى من الممكن الإستغناء عنها , وجعلتنى من الذين يريدون حل المشكلات دون خسائر وكان الخطأ الفادح الذى وقعت فيه أننى قدمت كل البشر على ذاتى المعلقة فى أعماقى , فأتعبتنى لأننى بالأساس لست رجلا خارقا.

وحينما تخليت عن الفلسفة والإنسانية أصبحت إنسانا عاديا وتركت البرج العاجى الذى كنت أعيش فيه ونزلت الى الأرض فاصطدمت بالواقع الذى فرض كثيرا من الأشياء التى لم أكن أتمناها , مثل مجابهة ومكاشفة الناس بأخطائهم كى يتحمل كل فرد حمله ومسئوليته تجاه أفعاله وتصرفاته، وحقيقة أن إرضاء كل الناس طبيعى تأكيدا على الشذوذ , لأن إرضاء كل الناس مفسدة حقيقية وشىء مستحيل إدراكه والوصول إليه لأن كل فرد عليه أن يتعامل بمثالية ولكن ليست بمثالية زائدة عن الحد تجعله يخسر نفسه من أجل آخرين , والأولى أن الكل يسعى الى البقاء ولكن دون ضرر للآخرين ... فما بالك بالذين يضرون أنفسهم من أجل آخرين ـ تلك قاعدة خرجت عن المنطقية , ولذلك اكسر هذه القاعدة على عتبات هذا المقال كى نبدأ من جديد.

وما جاء فى الفقرات السابقة من مقالى ما هو إلا تأكيد على واقع ملىء بالعقلانية والجنون معا , كما أن حياة الإرادة ذاتها تتطلب وجود التناقضات والدوافع المتعارضة , كما أن الحقيقة التى نعيش جوانب كثيرة منها، تشارك فى الدوافع المتعارضة التى تعتمد عليها الإرادة وللأسف أن هذا الواقع كان كامنا فى أعماق فلسفة هذا العصر ولكن غاية الوصول الى المثالية , أفسدت المثالية نفسها.

يا سادة ... يجب علينا جميعا إفساح المجال لبناء الوعى المطلق الذى يحمل متناقضات كثيرة فى كثير من الأحيان للوصول الى عمليات سلوكية تتيح التعايش بشكل يستطيع فيه التفكير المقترن بالوعى المطلق والمقترن بالراحة النفسية التى يسعى إليها الإنسان فى زمن المتناقضات.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط