الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

يحيي ياسين يكتب: لقد ضاع عمر !

صدى البلد

موجٌ على جفونها ارتسم، كأن الحزن على وجهها قد رُسم، تحت جفونها سوادٌ مظلمٌ، في عينيها دمعٌ يذرفُ، مضطربة المنظر يدل أنها كئيبةُ الجوهر، تدير وجهها فتنظر يمينًا ويسارًا، ثم تُعيد الكرة أمامها وخلفها، تبدو وكأنها مسلوبةُ العقل، تهاب الشفقةَ في أعين من حولها، إذا سُئلت عن حالها تشيح ولا تجيب! تومئ برأسها لينفضوا عنها، فماذا بها؟.

جلست السيدة على حافة الرصيف، ترتدي ملبسٌ أنيقٌ، جالسةً في شموخ وعزة، لا تدرى لمن تشكو حالها، كانت تدندن بحديث تناهى إلى سمعي ولا أحسب أحدًا كان يعقله، حتى طفح الكيل بها فصرخت قائلةً، " لقد تركت ولدى هنا لأتجر بعض أحوال منزلي وما هو إلا القليل حتى عدت فلم أجده، وهو صغير لا يدرى شيئًا وبالكاد يتحدث"، كنت أرقبها من بعيد فلم أصرف نظري عنها، تبدو مصابة بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود، يتدفق الدم فى عروق وجهها مصطحبًا برجفة في أركان جسدها، تنطق بكلمة وتصمت الأخرى.

أمسكت هاتفها تقلب فيه بيدين مرتعشتين، وقد تصبب العرق على وجهها، ولعابٌ من فمها تساقط على ملبسها في مشهد طفل يصرخ لأمه، بقلب يبدو نبضه في عروقها، فقالت كلمتين فقط، "ضاع عمر!" ثم سقط الهاتف من يدها وازدادت رجفتها حتى أغشيَ عليها.

وقامت السيدة بعد أن غفوت لدقائق، تخطو مهرولة يمينًا ويسارًا كأنها أصابها هاتف من شيطانها أو جُن عقلُها، وترفع يديها للسماء تُتمتم بحديث وتتضرع لربها، غيرُ مبالية بمن يُهدئ روعها بجانبها وانكشف جزء من عورتها من ذهولها فانسحبت من الجمع لتجلس القرفصاء تحت جذع شجرة تستظل بها من حر الشمس ولهيب صدرها.
ظهر رجل ذو منظر مخيف الملمح، يقدم كأنه راعى يبحث عن إبله، متجهم الوجه، فما أن رأته فزاد الخوف فى عينيها فكأنها رأت الجلاد الذى يسوطها!، ثم اقترب منها فلطمها على خدها غاضبًا ثم قال، "أين عمر!"؟، فلم تجب وسارعت في البكاء، حتى كاد يهم أن يضربها ففرق الناس بينه وبينها فانفض عنها، وعاد من مقصده دون أن يحادثها.

قفزت السيدة من جلستها كأنها تذكرت شيئًا أفاقها من غفلتها، فأخذت تركض أمامها وأنا اتبعها، حتى وصلت لـ ملهى للصبيان فدخلت تدقق فى وجوه الصغار بعينين منمقتين، حتى تغير البؤس فرحًا، والتجهم تبسمًا فحضنت الطفل من خلفه فقالت عمر!!