الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رضا نايل يكتب : اسمها زينب

رضا نايل
رضا نايل

ها أنا أعترف أنني فشلت تمامُا في تجاوز تلك اللحظة وتركتها تذوب في الأيام، فالرعشات الباردة تسري في جسدي، وقطرات العرق المتتابعة تنزلق على ظهري خوفًا أن تذوب كالملح فيصير عمري ملحًا أجاجًا، وكما تمنيت لو تذوب كما السكر فهي أحلى ما في أيامي .

فأنا لم أعرف شيئًا مثل هذا من قبل ولا من بعد، حتى ظننت أنني ربما كنت أحلم أو ربما تجاوزت حالات الوعي الإنساني الثلاثة.. نحو عالم آخر، فعندما ربَّتَ بالقلم الرصاص على كتفي الأيمن مَسّتني بعصا سحرية كانت في ذلك التابوت الذي حملته الملائكة، فيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون.

فقد كانت تجلس خلفي في الامتحانات وعندما التفت إليها بزاوية 180 درجة، رأيت وجهها كما الشمس في صباح ليلة القدر، وعلى شفتيها تسكن ابتسامة طازجة لها طعم الفرح في عيون الأطفال.. بريئة كقطرات الندى المتساقطة على زهرة قرمزية نشوانة تكفي وحدها أن تكون لوحة فنية أو مقطوعة موسيقية أو عنوانا لرواية غرامية.. فنظرت أمامي سكرانا لدرجة أني تركت ورقة امتحان "تاريخ الأدب الحديث" خالية من أي كلمة كأنها صحراء جرداء، وكان ذلك هو الصفر الأول الذي حصلت عليه في حياتي آملا الحصول على العلامة الكاملة معها، فتلك اللحظة كانت بداية تاريخي وما قبلها سنوات فارغة من الأيام، ولكني حصلت على صفر آخر، فاليوم كان الأخير في الامتحانات، وكل ما استطعت معرفته من ترتيب أرقام الجلوس أن اسمها "زينب ...".

وكان عليّ عبور الصيف وأنا أتقطر شوقًا، ماشيًا على جمر حافي القدمين لأراها مرة ثانية، مُغلفًا آلامي وأنّاتي بالكتمان.. فأنا الراسب في الامتحان بسبب ابتسامة من امرأة كنت أستحضرها داخلي ثم أغلق رموشي عليها برفق كأني أضع طفلًا في المهد، بعد ما قضيت الترم الأول أبحث عنها، حتى تعثرت بها عيناي في أواخر ديسمبر، فاتجهت نحوها وقلبي وقد سقط في أحشائي ودقاته كقرع الطبول الأفريقية وعيناي معلقتان بها كتائهٍ معلق بالنجم القطبي، إذا فقده فقد بوصلة النجاة من التيه والأحزان، ولكن عندما لمحتني حاولت الضياع بين موجات الزحام المُتقطعة للطلبة في طرقات الكلية، ثم دلفت إلى قاعة فدخلت دون ملاحظة أن هناك لوحة من الورق المقوى معلقة على بابها تُعلن للمارة أنه تتم مناقشة رسالة دكتوراة داخل القاعة.. لم يعلق في ذاكرتي أي كلمة منها، فطوال ثلاث ساعات كنت غائبًا عن الوجود..

حاضرًا معها، وعندما خرجنا حاولت الاختباء، ولكن لم تجد ما يمكن أن تختبئ وراءه غير ظلها وظلي.. فناديت: زينب
- قالت: أنا لستُ هي