الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مسعود شومان في حواره لـ« صدى البلد».. الشِعر لم يعد ذيلا للسياسى.. وهو تشكيل جمالى يسعى للكشف عن الروح الإنسانية.. بعض الشعراء ضيقوا عالم «قصيدة النثر»

مسعود شومان
مسعود شومان

شعر العامية كقرينه الفصيح يعانى من أزمة
«عارف يارب» محاولة لكتابة المسكوت عنه فى خطاب الإنسانى بالمطلق
شعر العامية يحتاج إلى كتائب من الدارسين والنقاد


قال الشاعر مسعود شومان، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة الأسبق، إن شعر العامية كقرينه الفصيح يعانى من أزمة تكمن فى عدم وجود وسائل متعددة للنشر، وإن كان شعر الفصحى يتمتع بميزة أعلى فى هذا السياق، وهو ما أتاح لشعراء العامية التواجد بكثافة أعلى فى الندوات كتعويض عن عدم الوجود على الصفحات المنشورة.

وأضاف شومان في حواره لـ«صدى البلد»، أن النجم من وجهة نظره، هو الشعر الذى يلفت النظر إلى تجارب مفارقة تتجاوز النمذجة وتكاشف الوجود الإنسانى بعيدا عن العبارات المسكوكة، لافتًا إلى أن الشعر لم يعد ذيلا للسياسى أو بوقا للأيدولوجية فلا تنتظر نجما لأن الشعر وكل فن مفارق يكون دوما على يسار السلطة ...

فإلى نص الحوار:-

بداية.. أنت واحد من رواد قصيدة النثر لكنك في الفترة الأخيرة عدت إلى التفعيلة.. ما السبب في ذلك؟


الشعر عديد، والشاعر الحق بمثابة حديقة تتسع لكل أنواع الأشجار الشعرية، ولا يمكن إغفال ما لقصيدة النثر من جماليات مائزة، لكن بعض الشعراء ضيقوا عالمها وحصروا الشعر فيها وفى توجهاتها، وكان على إكتشاف طاقات الأشكال المتعددة، والدواوين الخمسة الأخيرة بمثابة قصائد تنحو للدرامية والملحمية فى عالم لا يعرف توجها واحدًا ولا يركن لقيمة جمالية بعينها، إن محاولاتى كانت بحثا عن الشعر فى أى شكل، فالشعر لا يكمن فى شكل محدد سلفا وحتى الآن إذا أتتنى قصيدة نثرية أسارع صيدها بشباك الجمال.

ترى أن قصيدة النثر فشلت في أن يكون لها رواد ومريدون.. تقييمك للتجربة عمومًا؟

الشعر لا يفشل إذا كان شعرا، وحديقة الشعر ملآنة بكل الأشجار، أحب شجرة النثر، لكننى أحب غيرها، وأفدت من إمكاناتها الجمالية حين أكتب التفعيلة حيث القدرة على صيد التفاصيل والبعد عن الإلغاز والألعاب اللغوية المهيكلة، قصيدة النثر فرع مهم فى حديقة الشعر وهناك شعراء أقدر تجاربهم لأنهم لم يحصروها فى وصفات جاهزة بديلة لوصفة المجاز والصور المفارقة، والسؤال هل توجد قصيدة نثر واحدة، بالطبع لا لأن الشعر يستعصى على النمذجة والوصفات التى تشبه الكيمياء، الشعر تشكيل جمالى يسعى للكشف عن الروح الإنسانية أيا كان شكله وإلا نزعنا تجارب الشعراء الكبار الذين جربوا فى الأشكال كافة من حديقة الشعر.

تكتب النثر والتفعيلة والرباعية والأغنية والمربع والموال كل هذا التنوع ألا يضر بالشاعر من ناحية عدم تحديد وجهة او اتجاه معين لكتاباته؟

لو كان ذلك يضر بالشعر لكان ذلك الضرر ظاهرا فى تجارب الكبار مثل بيرم وجاهين وحداد وقاعود والأبنودى، فهناك شاعر يمكن وصفه بالزهرة وأخر بالشجرة وثالث بالحديقة والحديقة تتسع لكل صنوف وأشكال الكتابة، الشاعر الحقيقى هو من يستثمر إمكاناته المتعددة موسيقيا وجماليا، ويستمع لأصوات جماعته التى لا تستسلم لشكل شعرى، وكل توجه له جمالياته، لكننى حاولت أن أكتشف الجمال فى أشجار الحديقة التى اتسعت على مدار أكثر من ثلاثين عاما من الكتابة، سعيد باكتشافاتى، ولا أرى ما يضر الشعر أو التوجه حين تتعدد الطعوم وتتجاور الأشكال داخل تجربة متسعة وممتدة زمنيا وشعريا.

كيف ترى مستقبل شعر العامية في ظل الجيوش الجرارة التي تكتبه الآن؟


شعر العامية كقرينه الفصيح يعانى من أزمة تكمن فى عدم وجود وسائل متعددة للنشر، وإن كان شعر الفصحى يتمتع بميزة أعلى فى هذا السياق، وهو ما أتاح لشعراء العامية التواجد بكثافة أعلى فى الندوات كتعويض عن عدم الوجود على الصفحات المنشورة، وهو ما جعل لقصيدة العامية قدرة أعلى على اكتشاف الخطابات الأكثر حداثة، وهو الاكتشاف الذى يمثل منزلقا عند بعضهم خاصة من توجهوا لقصيدة النثر دونما امتلاك حقيقى لأدوات القصيدة الزجلية ومن بعدها قصيدة التفعيلة، لذا يثور السؤال الذى أراه منطقيا، كيف يتجاوز الشاعر الجديد نصا وطريقة لم يمتلكها، لذا قد نرى نصا واحدا وقد توزع بين عدة أسماء، نفس الطرائق والأساليب، وربما نفس المشاعر، لكن القصيدة العامية تتطور بكثافة للدرجة التى احتكر فيها شعراء العامية المشهد الشعر، خاصة مع اتساع دائرة نشر الدواوين، ومنح الدولة إحدى جوائزها لشعر العامية، وما يزال شعر ابن عروس وبيرم التونسى وحداد وجاهين وحجاب والأبنودى وفؤاد قاعود وزين العابدين فؤاد ومحمد سيف ومحمد كشيك وماجد يوسف ... إلخ يعيش بيننا ويتم انشاده وغناءه، لكن المؤسف حقا غياب الدراسات النقدية وعدم متابعتها لهذا النوع من الشعر الذى يتكاثر شعراؤه بما تحمل من قيم اجتماعية وجمالية تمثل شهادات على واقع المجتمع بشكل عميق.

أنت مهتم بالمأثور الشعبي ما مدى استفادتك منه في كتاباتك .. وماذا يمثل بالنسبة لك؟


علاقتى المبكرة بالفولكلور قبل توجهى لدراسته كانت علاقة حياة وممارسات تركت بصماتها على الروح والجسد، والوعى، فدراستى له كانت مبنية على رغبتى فى فهم ما امتلكته من عناصر تمر أمامى، وتكبر داخلى دون أن أعيها جيدا، لذا فقد كان اختيار الدراسة، فقد كانت مساهمة المكان والأسرة فى التكون كبيرة، بل عظيمة.

وقامت بدور فعال في اكتناز حقيقتى الثقافية والإبداعية، واكتسابى لكم هائل من الموروث الشعبي من خلال حكايات أمى، وإيمانها بالعادات والمعتقدات الشعبية، فهذه المعتقدات التى اختارت اسمى، بل وتوجهى فيما بعد لدراسة الفولكلور، وربما لكتابة شعر العامية تحديدا، فضلا عن جدى الذي كان واحدا من كبار المريدين للموالد الكبرى وكان يصحبنى إليها، من هنا فقد تمرنت العين على أن ترى أشياء مدهشة بألوانها «الصوارى ، الزخارف على الحوائط ، المشغولات المبهجة التى تغطى الجِمال فى الليلة الكبيرة »، والأذن على سمـاع الأصوات والإيقاعات، طبول «النقرزان» ـ أصوات الدفوف والمزاهر والصاجات، والطبول الكبيرة، أصوات أدوات الحرفيين فى زفة الصنايعية، وحركات الحواة والقرادتية، وكلامهم المنغم، والأذكار والتواشيح .. إلخ.

وما مردود ذلك كله في رأيك؟

مردود ذلك أن الحواس جميعها تدربت فى هذا الجو لتكتسب خبرتها الحياتية، فضلًا عن خبرات التعلم فى «الكُتّاب» وما يصاحب ذلك كله من مشاهد شعبية عديدة، كان «النعش» هو «السبورة» التى يكتب عليها "سيدنا" شيخ المسجد ، فكان الحرف يولد على الوسيط الذى يحمل الموتى، وكان اللوح الأردواز، و "كوز" الصبغة، والريشة المصنوعة من الغاب، وكانت زيارة أضرحة الأولياء فى الموالد، خاصة مقام «سيدي سعيد» المقام ببلدة شبين القناطر للوفاء بالنذر وهو عبارة عن «صفيحة جاز» لتعمير الكلوبات، كى تنير للمريدين والذكيرة، وأصحاب الطرق الصوفية، ولم أكن بعيدا عن قلب وروح المشهد، لذا فقد كنت انجذب لحلقات الذكر مستمعا ومستمتعا بالجماعية فى الأداء وأصوات «الصييت» منشد الذكر حينما كانت تتصاعد محدثة نشوة كبيرة فى نفوس المريدين.

وقد حدث أن وقعت فى إحداها مغشيا عليَّ.. كل هذه الصور والمشاهدات والأصوات والكلمات الغامضة دفعتنى إلي محاولة فهمها من خلال الدراسة فالتحقت بالمعهد العالى للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون لاستجلاء ما استغلق علي ولا أجد له تفسيرا، لقد كانت الطفولة حافلة «بالشقاوة» وما كان ينجم عنها من كثرة الإصابات، مما دفعنى إلي اكتشاف طاقات كامنة بداخلى، ومن خلال الألعاب الشعبية القديمة استطعت تكوين خريطة عامة لمدينتى الأقرب إلى الريفية، وأصبحت لدي قدرة جغرافية دربت حواسى، وقادتنى إلي محاولة اكتشاف صورة جديدة للمكان وأبعاده وعلاقات ناسه، عاداتهم، تقاليدهم ، احتفالاتهم.

تتحدث عن الماضي وكأنك «أسير» له؟


لقد تشكلت روحى فى هذا العبق ووسط هذه الأصوات، وانا لا أتحدث عن الماضى بوصفى «أسيرا» له ، وإنما لأنه حقيقة حية مارست نفسها على الحياة التى أعيشها ، من هنا فأنا لا استسلم له ، وإنما أطوعه فى الشعر متجاوزا أصواته الساكنة وعاداته الميتة ومعتقداته المعطلة.

ومن أسف أرى أن كثيرا من الأطفال بؤساء خاصة الذين ولدوا في زمن" البلاي ستيشن" والفيديو جيم، حيث تعطلت لديهم الطاقة والأفكار التي كانت هذه الألعاب الشعبية تنميهـا ، وعلي عكس ما يشاع عن الأدباء وبين بعضهم ، فقد كنت متفوقا في دراستى ، فأنا ضد أن يكون الشاعر بالضرورة صعلوكا طوال الوقت ، فلا بد أن يجاور تمرده وخروجه معرفة وتدريبا كبيرين.

حدثني عن الديون الذي يعد بمثابة قصيدة واحدة بتنوعات مختلفة؟


أصعب سؤال يمكن توجيهه لشاعر هو ما يضطره للحديث عن إبداعه، لكن ديوان «عارف يارب» هو الديوان الخامس في سلسلة الدواوين التي تنتمى إلى بنية كلية تشمل الديوان بكامله، فأنا لا أعترف بالدواوين التجميعية التي يجمع فيها الشاعر قصيدة من هنا وأخرى من هناك ليكمل عدد صفحات الديوان دون رابط جمالى، ومجموعة دواوينى الأخيرة تمثل خطًا ملحميًا، أي كيف ترينا الذات ملحمتها الخاصة وهى تشتبك مع الواقع دون جور على الرسالة الجمالية التي تعد الهدف الأول للشعر، و«عارف يارب» في هذا السياق أصفى تعبيرات الذات عن ملحمتها الوجودية في علاقة المطلق بالأشياء وتجليه فيها.

ديوان«عااارف يااارب« ما الجديد الذي ترى أنك قدمته من خلاله؟

ديوان عارف يارب محاولة لكتابة المسكوت عنه فى خطاب الإنسانى بالمطلق، فى مكاشفة اروح التى تسكن الكلمات، فى المزج الذى يحتفى بالتفاصيل وتضفيرها بالصورة والإيقاعات الخافتة، فى تعدد الأصوات التى تدخل الشاعر ، حيث لا صوت وحيد فى عالم يضج بالأحداث والنماذج الإنسانية التى تتأمل مصيرها الوجودى وعلى القصائد أن تسأل وأن تكتشف إجابات جديدة لم تستطع الفلسفة الإجابة عليه، نعم محاولة لا كتشاف غموض الكوم والمشاعر الإنسانية بالشعر.

بعد رحيل حجاب والابنودي وأحمد فؤاد نجم يرى البعض انه لا يوجد نجوم لشعر العامية في مصر؟

إن شعر العامية يحتاج إلى كتائب من الدارسين والنقاد في ظل غياب تاريخى عن دراسة هذا اللون من الشعر، و ليس من هدف الدراسة استقصاء مرحلة أو جيل من أجيال الكتابة فى هذا النوع الشعرى الذى بدأت قامته فى السموق، وتنوع إنتاجه بشكل مدهش، وقد كان الهدف من كتابى الوقوف على إبراز أهم الاتجاهات الشعرية والظواهر التى تجلت فى هذا النوع الشعرى بوصفه تجليا ذا أثر بالغ فى حركة الشعر الحديث، فضلا عن تأثيره الاجتماعى الواسع، وكذا محاولة تقديم معاينة لشعر العامية ودوره المجتمعى، ولا نظن أن من هدفنا استقصاء كل المحاولات أو قراءة المنتج الشعرى بكامله، وما يقدمه من توجهات اجتماعية أو سيسيو جمالية خاصة مع اتساع الفترة الزمنية التى تحتاج لرصد ببليوجرافى دقيق لم يقدر له أن يتم حتى الآن، لذا فإن هذه المحاولة تتناول مجموعة من كبار الشعراء المؤسسين خاصة فى علاقتهم بالمصادر الشعبية، ثم تعرج على عدد من كبار شعراء الستينيات كخطوة لاستكمال حلم دراسة باقى الشعراء.

ماذا يتناول الكتاب؟


يتناول الكتاب ظاهرة نظن أنها جديرة بالدراسة ـ موت شعراء العامية فى سن مبكرة ـ وبحث أسبابها الاجتماعية وتجذر مفهوم الموت فى أشعارهم، مع رصد إحصائى لعدد كبير ممن رحلوا عن عالمنا مبكرا ، ولا يتوقف الكتاب عن جيل الرواد ومن لحقهم من الشعراء، لكنه يواصل دراسة عدد من شعراء السبعينيات والثمانينيات، ويلحق الكتاب ببليواجرفيا بالشعراء المدروسين، فضلا عن كشاف ـ تجريبى ـ يوثق لدواوين شعر العامية المصرية فى الفترة من (1980: 2015)، ولا نزعم كمال الكشاف ووفائه، لكننا نظن أنه خطوة فى طريق توثيق إنتاج هذا اللون من الشعر الذى ظلم طويلا، كما يضع الكشاف جزءا كبيرا من نتاج هذا النوع الإبداعى أمام حركة النقد فى نصر، وليس مستغربا ألا تتوفر تلك القاعدة المعلوماتية حول شعر العامية (نقوم بإعداد ببليوجرافيا شعر العامية منذ 1951: 2015) ؛ وهى القاعدة التى لم تتوفر لغيره من الأنواع الأدبية، الأمر الذى يجعلنا نصرخ فى وجه المؤسسات الثقافية لإنجاز هذه الخطوة التأسيسية لأهميتها ليس على مستوى الرصد والتوثيق الببليوجرافى ولكن على مستوى القراءة الدالة مجتمعيا وثقافيا وجماليا، وكلها عناصر مرتبطة ببعضها فى بنية النصوص الشعرية، كما أن توفرها سوف يمنح الدارسين قدرة على التعرف على تضاريس الخريطة الإبداعية لشعر العامية وأجيالها المتنوعة فى فترة مفصلية من تاريخ مصر، ساهم فيها شعر العامية بقدر كبير فى الحراك الثقافى المصرى وبالتالى فى الحراك الاجتماعى والسياسى.

فى هذا السياق لم يعد للنجم مكانا لأن المؤسسات التى صنعت النجوم السابقين لا ترغب فى تكرار أسماء كبيرة ومهمة بل العكس تقوم بتصدير الأنصاف ليصبحوا نجوما كنوع من تهميش الجمال المفارق وكتابه الحقيقيين.

ما تعريفك لفكرة النجم أساسًا؟

النجم فى ظنى هو الشعر الذى يلفت النظر إلى تجارب مفارقة تتجاوز النمذجة وتكاشف الوجود الإنسانى بعيدا عن العبارات المسكوكة ، ولأن الشعر لم يعد ذيلا للسياسى أو بوقا للأيدولوجية فلا تنتظر نجما لأن الشعر وكل فن مفارق يكون دوما على يسار السلطة.