الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مرصد الأزهر يصدر تقريرا عن حقوق المسلمين بإنشاء مقابر فى إسبانيا

صدى البلد

سلط مرصد الأزهر للغات الأجنبية، الضوء على حال المسلمين فى أسبانيا وبالأخص حقوقهم فى إنشاء مقابر خاصة لهم لدفن موتاهام فيها.

وقال المرصد فى تقريره، إن أغلب الجاليات المسلمة حول العالم -خاصة في دول غرب أوروبا- تعانى من عدم حصولها على حقوقها الدينية بشكل كامل، مع أن هناك قوانين في هذه الدول تكفل مجموعة من الحقوق الدينية، لكنها تظل حبرا على ورق.

وأضاف، أن من بين هذه القوانين عملية دفن الموتى، حيث تنصُّ القوانين في دولة مثل إسبانيا على الدفن في توابيت خشبية، وهو ما يتعارض مع تعاليم الشريعة الإسلامية التي تقضي دفن الجسد مباشرة في الأرض دون وضع الجثمان في صناديق، وهو ما يحاول المسلمون علاجه من خلال طلب تخصيص مساحات من الأراضي في مختلف الأراضي الإسبانية لتصبح مقابر إسلامية يتمكن من خلالها المسلمون أن يدفنوا موتاهم وفقًا لتعاليم الشريعة.

وأوضح، أن المسلمين لا يتمكنون من دفن موتاهم بالطريقة الإسلامية، على الرغم من أن الاتفاقية التي تم إبرامها بين المفوضية الإسلامية في إسبانيا وبين الحكومة عام 1992 قد نصَّت على أحقية الأقليات الدينية المسلمة في تشييد مساجد وإنشاء مقابر خاصة شريطة أن تكون تابعة للجمعية الكائنة في منطقة سكنهم، إلا أن هذا لم يتم تنفيذه بشكل كامل على أرض الواقع من الجانب الإسباني.

وأشار إلى أن أعداد المسلمين فى تزايد عامًا تلو الآخر، والذي بلغ 1,919,141 مسلمًا بحلول عام 2017، وبرغم مطالبات الجمعيات الإسلامية المستمرة في تخصيص مقبرة للمسلمين لدفن موتاهم وفقًا للشريعة الإسلامية، إلا أن عدد المقابر لا يتناسب مطلقًا مع أعداد المسلمين الحالي في إسبانيا.

فوفقًا للدراسة التي أعدَّها اتحاد الجمعيات الإسلامية في إسبانيا -حتى ديسمبر 2016- والتي تُحصي عدد المسلمين وتركز على أحوالهم الدينية والتعليمية هناك، فإن عدد المقابر الإسلامية الموجودة حتى الآن 32 مقبرة فقط على مستوى إسبانيا ككل، هذا بواقع 11 مقبرة في "أندلوثيّا" ومقبرة واحدة في كل من المدن الآتية: "أراجون" و"البليار" و"سبتة" و"مليلية" و"مدريد" و"مرسية" و"ناباررا" و"إقليم الباسك" و"لا ريوخا"، ومقبرتين في كل من "كنارياس" و"قشتالة" و"ليون"، ويحظى إقليم قطلونية بوجود 5 مقابر إسلامية، بينما توجد في "بلنسية" 3 مقابر فقط، أي أن هناك ما يقرب من 95% من الجمعيات الإسلامية تفتقر إلى مقبرة، لذلك يدفن المسلمون موتاهم بمقابر متعدّدة الأديان أو بالمقابر العامة التابعة للبلديات الإسبانية المختلفة.

وفي مناسبات عديدة، أبدى المسلمون عدم قدرتهم على التكاليف الباهظة التي يتكفلونها حال دفن أحد ذويهم خارج إسبانيا، ومن الغريب جدًا أن عدد المقابر الإسلامية خلال الحرب الأهلية الإسبانية كان يتجاوز الثلاثين مقبرة -والتي تم إنشاؤها لدفن العسكريين المسلمين الإسبان الذين لقوا حتفهم أثناء الحرب نظرًا لتزايد أعدادهم آنذاك- لكنها تعرضت للإهمال والنسيان مع مرور الزمن.

واجتهد المسلمون ولجؤوا إلى إيجاد بدائل للتكيف مع هذه الأوضاع من خلال وضع المتوفّى في تابوت خشبي بدون نقوش وفتح عدة ثقوب به حتى يكون الجسد أقرب ما يكون إلى الأرض، في محاولة منهم لتوفيق الوضع بين ما هو متاح وبين تعاليم الشريعة الإسلامية، الجدير بالذكر أن البديل للمسلمين حاليًا يتمثل في دفن ذويهم في مقابر البلدية وفقًا للشروط المحلية بوضع الميت في تابوت خشبي أو من خلال نقل الميت إلى بلده الأصلي، والذي غالبًا ما يكون دولة المغرب؛ الأمر الذي يتكلف مبالغ باهظة قد تصل إلى أربعة آلاف يورو لكل حالة.

وذكر المرصد أن وزارة الصحة الإسبانية علّلت رفضها إنشاء مقابر إسلامية لتعارضها مع قوانين الدفن في إسبانيا وأوروبا ككل؛ لأن في تطبيقها إضرار بالصحة العامة، ونستشعر في هذا التعليل قدرًا من التعنت من الجانب الإسباني ضد المسلمين هناك، حيث إننا لم نسمع من قبل عن أية أضرار نجمت عن دفن الموتى في الأرض مباشرة في أي من البلدان أو الأماكن التي تنفذ الدفن وفقًا للتعاليم الإسلامية.

كما دعت الجمعية الإسلامية في "إكسترامادورا" جميع القيادات السياسية إلى الاستجابة إلى مطلبهم المستمر في إنشاء مقبرة إسلامية بالمدينة وضرورة إيجاد حل عاجل لهذه القضية؛ وذلك لإزالة الشعور الذي قد ينبع عند المسلمين بعدم المساواة الاجتماعية. وقد أبدى المسلمون هناك شعورهم بالحزن الشديد حيال وقوعهم ضمن المناطق الرئيسية في إسبانيا الخالية من وجود مقابر إسلامية. جدير بالذكر أن عدد المسلمين القاطنين في هذه المنطقة يبلغ حوالي 20 ألفًا يفتقرون إلى وجود مقبرة إسلامية باعتبارهم جزءًا من المجتمع الإسباني.

لم تضيع المطالبات المستمرة للمسلمين في إسبانيا هباء، حيث وجدت عددًا من الاستجابات من بينها شروع مجلس بلدية "بلنسية" في تخصيص جزء من المقبرة العامة بمساحة تصل إلى 700 متر مربع للمسلمين تحتوي على حوالي 120 وحدة دفن، وذلك في نهاية شهر ديسمبر من العام المنصرم 2016. كما سيتم تنفيذ تحسينات للمقابر القائمة بالفعل.

في الوقت ذاته ستخصص مساحة أخرى تبلغ 671 مترًا كمقابر لليهود بحيث تسع حوالي 100 وحدة لدفن الموتى، وذلك وفقًا لقانون أكتوبر لعام 2015 والذي تم تعديله فيما يخص الحرية في تطبيق الشعائر الدينية. وتعتبر هذه الخطوات استجابة لمطالبات عديدة يقوم بها المسلمون في كل مناسبة من أجل تخفيف العبء عنهم فيما يخص دفن ذويهم داخل إسبانيا.

وفي تحرك من الجانب الإسباني إزاء هذه القضية أيضًا، خصصت عمدة مدريد "مانويلا كارمينا" مساحة 9500 متر مربع ليصبح مقبرة إسلامية، وذلك بعد اجتماعها مع ممثلي اتحاد الجمعيات الإسلامية في إسبانيا. وذكر "رياج ططري"، رئيس اتحاد الجمعيات الإسلامية في إسبانيا، أن هذا القرار يُعد استجابة من عمدة مدريد لمطلب المسلمين المستمر، وأنه يأتي بعد صراع استمر لحوالي 32 عامًا من النقاشات والمطالبات. كما اجتمع "جابريل كروث" عمدة "أويلبة" مع رئيس جمعية السلام الإسلامية "عبد اللطيف رجيدى" لبحث تخصيص مقبرة خاصة بالمسلمين هناك، وقد اتفق الجانبان على تخصيص ما يقرب من 1081 مترا لهذا الغرض.

وفي نهاية نوفمبر من عام 2016، وافق مجلس بلدية "ساجونتو" التابعة لمنطقة بلنسية بالإجماع على إنشاء مقبرة إسلامية وتم التأكيد على إجراء الدراسات والإجراءات الإدارية اللازمة في أقرب وقت ممكن، امتثالًا لاتفاق التعاون بين مجلس البلدية والمفوضية الإسلامية الإسبانية والذي يُقر بحق المسلمين في تملك قطع أراضي مخصصة لدفن المسلمين في مقابر البلدية.

وتمكن أغلب المسلمين في إسبانيا من التعايش والاندماج مع بقية شرائح المجتمع المختلفة في الدين والعرق والجنس والثقافة، بل وقدموا مجموعة من النماذج المضيئة التي انصهرت في المجتمع وتقلدت فيه مناصب عدة وكذلك قدمت إسهامات إنسانية واجتماعية.

وثمِّن مرصد الأزهر جهود المسلمين في إسبانيا في عملهم الدؤوب وحرصهم على الحصول على حقهم لتطبيق التعاليم الدينية للإسلام وذلك من خلال طرق مشروعة وقانونية، مشيدا ببعض البلديات الإسبانية التي سمحت للمسلمين بالحصول على هذا الحق. هذا ويأمل مرصد الأزهر أن تتعامل الحكومة الإسبانية مع هذا الملف بشكل جدي ومراعاة البعد الديني للمسلمين والعمل على تنفيذ مطالبهم المشروعة والتي نصت عليها اتفاقية 1992 دون تعنت.