الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ندّية وهمية مع الدولة


منذ عام ٢٠١١ ومصر تتعرض لحملات إلكترونية مكثفة وممنهجة ومتواصلة، وعلي الرغم من المسمي المعلن لوسائل التواصل الاجتماعي والذي يعبر بوضوح عن أدوات للاتصال إلا أن الواقع كشف عن شرخ مجتمعي وحالة من الاستقطاب تسببت فيها تلك الوسائل، وأثرت سلبا علي حالة السلام الاجتماعي، ولم يقتصر الأثر السلبي لتلك الشبكات علي العلاقات الاجتماعية فحسب بل امتد الي بنيان الدولة بأكمله، و خلق حالة افتراضية أفرزت ازدواجا مجتمعيا، كما انتجت كيانا الكترونيا ظن البعض أنه يمكن أن يوازي الدولة.

شبكات التواصل المتصلة بخوادم خارج البلاد يقينا تسيطر عليها أجهزة استخبارات لدول عظمي لم تعد بحاجة لحروب تقليدية او قواعد عسكرية بعدما نشرت قواعدها الالكترونية داخل البيوت فأصبحت مرتكزة علي مدار الساعة لتفرض أخلاقيات وسلوكيات وانتماءات وولاءات جديدة استهدفت الفئات الشبابية بضراوة، لتنذر بخطر قادم عن نشأة أجيال منفصلة شعوريا عن واقعها الحقيقي بعدما استغرقها واقعها الافتراضي الذي وجدت فيه مساحة أكثر رحابة دون رقابة أو محاسبة أو محاذير أو قيود.

لقد أثرت تلك الشبكات سلبا علي البناء الإنساني للشخصية المصرية فأفرزت ملامح جديدة لنماذج انسانية أحدثت شرخا مجتمعيا بعدما منحتها تلك الشبكات قدرات وهمية أثرت علي بنيانها الأخلاقي فأفرزت مايلي :

خلق حالة عداء وندية وهمية مع الدولة.
إحداث حالة تفكك أسري .
منح القدرة علي الخداع والمداهنة، فمالايمكنك قوله في الواقع المعلن تستطيع ممارسته علي حساباتك الشخصية .
ترسيخ اخلاقيات الجبن والانسحاب ،فالشخص العاجز عن المواجهة يتخذ من شبكات التواصل مساحة لممارسة شجاعته الوهمية.
منح مساحات جديدة من القدرة علي الكذب والتدليس .
إهدار قيم المجتمع في احترام الآخر .

الآثار السلبية لشبكات التواصل لم تقتصر علي الحالة الاجتماعية فحسب إنما امتدت الي كيان الدولة وأمنها القومي، وأتاحت اعتقادا زائفا انه يمكن بناء دولة افتراضية موازية تزاحم الدولة القانونية الدستورية خصائصها واحتكاراتها، فأدت الي مايلي :
خلقت تكتلات إلكترونية اعتقدت أنها يمكن أن تزاحم الأحزاب العمل السياسي الفعلي .
ساهمت في زيادة الفجوة بين الشباب والدولة، بعدما وجدوا فرصة في فضائهم الالكتروني.
أدت الي انحسار الرغبة في اكتساب الخبرات العملية الحقيقية .
خلقت حالة من العزلة عن الواقع الذي قد يتطلب بذل مجهود وتحمل مسئوليات.
منحت فرصا للاغتيال المعنوي للشخصيات التي قد تبدو موضوعية.
زادت من مساحات التنظير المستند الي اللاخبرة.

شبكات التواصل بدلا من ان تضيف مزايا جديدة للاتصال أدت الي حالة من الكسل الاجتماعي والسياسي، أكسبت أشخاصا أحجاما وهمية تفوق إمكانياتهم وقدراتهم الحقيقية، دفعت أجيالا بالكامل الي حالة من الادمان الالكتروني، الي حالة من الاستغراق في مساحات من اللامساءلة فزادت من نفورهم من فكرة الدولة والقانون والالتزام والمواجهة، أدت الي حالة من الاستعلاء علي اجيال سابقة لم تتح لها الفرصة لاقتحام ذلك العالم الالكتروني او إجادة استخدامه فأصبحت متهمة بانعدام قدرتها علي استيعاب الاجيال الناشئة التي تستمتع أساسا بهذه الفرصة المتاحة للإفلات من الرقابة، وامتدت حالة الاستمتاع هذه الي علاقتها مع الدولة التي اعتقد البعض أنه يمكن اسقاطها من خلال لجانه الالكترونية، كما اعتقدت جماعات وأحزاب ناشئة أنها اكتسبت جماهيرية مؤثرة لمجرد قدرتها علي التواصل الالكتروني المكثف,

بالتزامن مع حالة الاستغراق في شبكات التواصل الاجتماعي فإن اجهزة الاستخبارات التي تسيطر علي الخوادم لا تكف عن الرصد والتحليل بدءا من الحالة المزاجية وصولا الي التوجه السياسي والاجتماعي لتستغل الضغوطات المعيشية والاحتقانات لتنصب شباكها لاصطياد وتجنيد مرتادي الشبكات الذين يستدرجون بوعي وبغير وعي ويتم توريطهم في أفعال وحملات تستهدف بلادهم تحت وازع الحرية والديمقراطية.

المسيطرون علي الخوادم لا يكفون عن العبث بمفاهيم الامن القومي، لا يكفون عن تغيير مفاهيم الولاءات والانتماءات للاوطان والتي تبدأ اساسا بالولاء للاسرة وللمحيط الاجتماعي.

المسيطرون علي الخوادم يخلقون حالة من الاغتراب الممنهج لمرتادي شبكات التواصل فترسخ لحالة من الشعور بالغربة وسط الأهل والوطن.

الاحتلال الالكتروني الذي سيطر علي مواقع التواصل لا ينبغي ان تقف الدولة أمامه مكتوفة الايدي، لا ينبغي ان تعالجه بالتجاهل والترك، انها حالة تستوجب مشروعا قوميا لمواجهة الحشد الاجتماعي، مشروعا تتواجد الدولة من خلاله علي ساحة تلك الشبكات لترصد وتحلل وتحاول الوقوف علي حركة الشباب لتحاول كسر عملية العزلة والانعزال المصطنعة التي أوجدتها تلك الشبكات، فخلقت جيلا بدا مستمتعا بحالة وهمية من الاضطهاد والتهميش بعدما وجد عالمه الخاص الذي اعتقد انه يمكن ان يكون بديلا لوطنه.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط