الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

من تونس إلى الغوص .. وفضيلة الاجتهاد مع النص


مر بحياة المسلمين جملة من الأقاويل البشرية التي أخذت طابعا دينيا حتى صارت في عُرف القوم دينا ولم تكن أكثر من تأليف بشرية صادمة للعقل ومقيده للمستقبل ومسئولية بطريقتها على آفاق الإبداع البشري .

ومن هذه الأقاويل الحجرية ما ألفوه ودشنوه وجعلوه دينا قولهم .. لا اجتهاد مع النص ..

وكأن النص جاء مستغنيا عن التقليب والبحث والنظر العقلي .. في مرثية عربيه صدرها العرب للعالم فحولتهم إلى أمة من الحفريات أمام كل ما لديهم من تاريخ وموروث وعقائد وشرائع وأفكار ..

امتنعوا فيها عن البحث وتوقفوا حيالها عن الدرس للدرجةالتي أصبح فيها كلام علمائهم القدامى دينا اعتقدوا بخيبة أمل أن سطورهم مقدسة تدخل الجنة أو النار إن لم يعمل بها أولوا الألباب ..

ودرجت الجماهير خلف هذا الوهم حتى كبر مع الزمن ثم تحصن بالجهل والتقليد وتحول المشهد إلى مومياء أثريه رفعت فوقها رايات الشرعية وأصبحنا حيال أمة مصابة بالتحجر العقلي المعادي للمستقبل والمعوق للتفكير والمانع للتدبر والمسقط لقانون السببية والمستخف بالعلل التي جاءت النصوص لأجلها والقيم التي استهدفت النصوص تدشينها وتأصيلها في أمة بدويه تعادي بطبيعتها التحضر والتطور ..

واستمر المسلمون خلف خطابهم وخطبائهم على نفس الطريق والطريقة الممتدة لما يزيد عن ألف وأربعمائة عام لا يزيدون عن الحفظ ولا يجيدون إلا الترديد حتى اختفى تماما من أيامهم أي فكر جديد فيما تجدد العالم حولهم أكثر من مره وقفز عدة قفزات أسطورية وهم في غفلة ساهون ..!!

حتى فقدت القيم الدينية تأثيرها بعدما غاب عن الناس آثارها وأصبحت المخرجات ما نراه اليوم في الشعوب من تطرف وتسيب وضلال ...

لم يأت النص الديني إلا مستهدفا تحقيق حالة من الاستقرار للقيم وتعزيز العدالة والتسامح بين البشر ..

فليس التشريع الديني حالة تعبدية كالصلاة توقيفية كالوضوء تقليديه كمناسك الحج مثلا ..

بل الشرائع الإلهية تستهدف تحقيق حالة من الاستقرار والمساواة والعدالة تنشد من خلفها نشر وبث التراحم والسكينة في نفوس البشر حتى يصلوا في النهاية إلى تأسيس حياة آمنة مطمئنة بعيدا عن الصراع وما فيه من المنغصات ..
النصيون يريدون منا أن نكرر الزمن الماضي فلا يعيشون إلا عصرا واحدا فيما الأزمان تتطور لا تتكرر
والعقل البشري الذى به مناط الحكم ومقصود الخطاب عليه أيضا أن يتفاعل زمنيا مع النص مجتهدا في استخراج خباياه والوقوف على مقاصده الكبرى .. وحال تحقيقها تكون الشريعة قد حطت رحالها وإن بدا للبعض مخالفه الظاهر لطبيعة النص الديني ..

وهذا ما سبقتنا إليه تونس السباقة دائما في رج المنطقة فكريا وعصفها اجتهاديا لقلقلة سكون التخلف الذى يحاصر معاصمنا وقد تحول حول رقابنا إلى معاطف خانقة لأنفاسنا ..

وكان غوص تونس في النص الديني قد ألهم قادتها بشكل جرئ إلى الخروج بدعوة تعمل على تأسيس قوانين جديدة لمساواة الرجل مع المرأة في الميراث بما لا يخدش مقصديه النص الديني الذى يستهدف نشر العدالة والمساواة ..

لقد جاء النص الخام في بدايته لبيئة بدويه الرجل فيها هو عماد الحياة والمرأة كائن بلا أعباء تقريبا في وسط يعتمد كسبه على الغزو والسيف والقنص أو الرعي والزراعة بلا أي مجهودات عقليه إذ عضلات الرجل المفتولة وقوته هي رأس ماله الذى يطعم به أسرته ويتعايش به مع محيطة ...

وهنا تكفل الرجل بالمرأة جعل الرجل مظلوما حتى وهو في الميراث ينال حظ الأنثيين ...

لقد جاء الشرع حينها منصفا للمرأة عندما كان منطوق الآية مستندا لتقرير حقها في الميراث فلم يقل للأنثى نصف حظ الرجل مثلا بل عكسها وجعل المستقر في الاحتكام إليه حظ الأنثيين ..

تغير المشهد فلزم أن ندور مع مقصود النص الديني حيثما دار .. وخرجت المرأة للعمل وشاركت في بناء الأسر والدول وتنميةالثروات وصنع الثورات ... وجاءت الدساتير المنظمة وأصبح الجهد في تأسيس وتربية الأسر والإنفاق عليها يكاد يكون متساويا بين جهد الرجل والمرأة التي اقتحمت كل المجالات و أجادت حتى سبقت الرجل في كثير منها ... ليصبح تحقيق العدالة عملا بالنص الديني مطلبا شرعيا وليس صادما للنص أو تصادمية ..

وقد كان في التاريخ مشاهد مقاربه تم العمل فيها بروح النص ومنح أصحابها ألقاب البطولة والإلهام فيما كان نصيب الرئيس التونسي التكفير والاتهاممن قصار النظر والفهم ..

فها هو عمر بن الخطاب مثلا يوقف العمل بآية المؤلفة قلوبهم التي هي حق مقرر في الآيات بحجة أن الإسلام أصبح قويا فلما نتألف قلوب هؤلاء لتبقى الآية من عهده إلى اليوم بلا عمل مع غيرها دون أن يسمعنا المعارضون اليوم لقوانين المساواة في المواريث آرائهم ..؟!

وقد أوقف أيضا سهم ذوي القربي والخمس وحد السرقة في لحظة يجب أن نتدبر فيها روح النص وندور معه حيثما دار ...

وفي وطن جديد تحكمه وتنظمه الدساتير لا الأهواء لم يعد هناك لا نص ديني ولا فقه بشري يمنع المرأة من أن تتزوج بمن تشاء ما دامت الحاكميةوالقوامة للقوانين لا الأهواء وليس هناك من يؤثر على عقيدتها أويسلبها حقها في الإيمان ... والدين الذى قرر أن يكون لأبناءالمسيحية أعمام مسلمين لا يمكن أن يحرم على المسلمة أن يكون لأبنائها أعمام وعمات مسيحيين ..

فما الخطب إلا خطف لروح التفكير والإبداع والاجتهاد من أن تدور دورتها مع زمن جديد تُحمى فيه قيم الشريعة بالفكر الحر وتنتصر فيه قيم المستقبل على خيالات الماضي البشريةالتي تحاول أن تصبح دينا برايات وهميه .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط