الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«من شابه أباه فما ظلم».. داعش وتركيا نموذجا


عاثت داعش بأفكارها وأفعالها الإرهابية، فسادًا في الأرض وراحت تنشر الترهيب بين البشر كأحد مناهجها التي تعبر عن أفكار تسعى لنشرها من جديد بنفس الأساليب التي تعتمد نفس الأفكار لكل من يعتنق العقلية الأحادية والإقصائية وبمعنى آخر الشوفينية والنازية الدينية تيمنًا بهتلر وموسوليني اللذين نشرا نفس الأفكار ولكن بذهنية قوموية، وتم القضاء على أفكارهما بحرب اجتاحت أوروبا ولم يسلم منها أحد لا من البشر ولا الحجر ولا الشجر.

الآن وبعد مضي نصف القرن ويزيد تعيش منطقتنا الشرق أوسطية نفس المرحلة تقريبًا من الفساد الذهني والأفعال القبيحة والتي لا تعبر إلا عن عقلية وحشية لا تعير أي اهتمام بقيم الإنسان المجتمعي والتاريخي والديني ولا حتى السياسي منه.

الكل عاش ورأى ما فعلته داعش على امتداد جغرافيا المنطقة من قتل وتدمير ونحر وحرق و... إلخ، من تصرفات لا يقوم بها إلا مجموعة انفصلت عن الإنسانية بغض النظر عما تحمله من أفكار إن كانت دينية أو قوموية فالنتيجة هي واحدة لأن الأسلوب المتبع هو نفسه نفسه عند الطرفين. 

فما الفرق فيما تفكر وتعمل به داعش الإرهابية والدولة التركية في المنطقة من جميع النواحي الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية وحتى الفكرية منها. إذا، أمعنا النظر في منطق كلا الطرفين لن نرى أية فوارق كبيرة تذكر سوى المسمى والشكل، في أن داعش هي دولة تم الإعلان عنها في بدايات القرن الواحد والعشرين ودولة تركيا التي تم الإعلان عنها في بدايات القرن العشرين، الفارق بينهما هو فقط مائة عام لا غير، لكنهما يحملان نفس العقلية الإرهابية ولا يختلفان عن بعضهما البعض مطلقًا، حتى أنه يمكننا القول أنهما توأمان في الفكر والفعل والنتيجة مع فارق الزمن في توأمتهما.

الدولة التركية تشكلت على دماء شعوب المنطقة التي لم يسلم منها أحد من كرد وعرب وأرمن وسريان وآشور وتركمان الكل لاقوا نفس المجازر الدموية بحق هذه الشعوب، ونفس الأمر بالنسبة لدولة ما يسمى "داعش" هي أيضا لم يسلم منها أحد من الكرد والعرب والأرمن والمسيحيين بشكل عام ولاقوا من هذه الدويلة نفس المجازر والإرهاب

اعتمدت دولة تركيا على محو تاريخ الشعوب من أماكن عبادة وأثار التي تعتبر الذاكرة الحية للمجتمعات البشرية على مر التاريخ حيث دمرت الجوامع والكنائس والمعابد تحت حجة الارتهان للغرب والانبطاح والتقليد الأعمى للثقافة الغربية، كذلك فعلت دويلة "داعش" في تدميرها للتاريخ الإنساني والمساجد وأماكن العبادة والكنائس، إن كان في الموصل أو الرقة أو في مكان طالته أيديهم. 

تعتمد دولة تركيا على مبدأ "من لم يكن معي فهو عدوي" في تعاملها مع الآخر حتى وصل الأمر بها أنه لم يتبقَ لها أصدقاء مع جيرانها القريبين والبعيدين، بعكس ما تم الترويج له وفق نظرية أوغلو "صفر مشاكل". هو هو نفس مبدأ دويلة "داعش" فكل من لا يفكر مثلها فهو عدوها ويجب نحره وحرقه وتدميره. 

اعتمدت دولة تركيا على اللعب على الوتر المذهبي في تصدير نفسها على أنها من تمثل الاسلام الحقيقي ألا وهو المذهب السني وكل من خارج هذا المذهب هو مجوسي ونصيري وجب قتله، إنه نفس الوتر الذي تلعب فيه دويلة "داعش"الوتر المذهبي السني وذلك لافتعال الفتنة بين المذاهب الإسلامية. مع أن الإسلام بريء من كلا الدويلتين التركية والداعشية كبراءة الذئب من دم يوسف وأنهما ليس لهما علاقة بالدين بتاتًا. ومع هذا اعلن البغدادي نفسه خليفة المسلمين وهو نفس الاعلان الذي أعلن فيه أردوغان أنه خليفة المسلمين وهو الذي سيحرر القدس.

إننا أمام ظاهرة تكدس الآلهة المقنعة التي تسعى بكل امكاناتها الفكرية الارهابية لفرض نفسها على المنطقة ككل وليس في جغرافيا محددة فقط، وأنهما لن يتوقفا ضمن حدود العراق وسوريا فقط، بل وصل ارهاب دولة تركيا ودويلة "داعش" خارج حدود هاتين الدولتين حتى وصل ليبيا ومصر واليمن وغيرهم من الدول. مرض داء العظمة الذي سيقضي على هاتين الدويلتين في القريب العاجل. فكلما تم توجيه الضربات لمشروعهما في العراق وسوريا، كلما اقتربت نهايتهما الأخيرة. وهذا ما تدركه دولة تركيا جيدًا، ولهذا تقوم تارة بتهديد التدخل في الشمال السوري وضرب الكرد، وتارة التدخل في شؤون دول المنطقة. 

والكل يدرك أن مشروع دولة تركيا الشوفينية ودويلة "داعش" انهارا تحت ضربات القوات الكردية حينما تم تحرير كوباني "عين العرب" وكذلك منبج والآن الرقة وغيرها من المناطق في الشمال السوري، وكذلك في العراق بعد تحرير الموصل والان تل عفر على يد القوات العراقية والبيشمركة.

"من شابه أباه فما ظلم" ينطبق هذا المثل الشعبي على دولة تركيا وداعش من كل الأطراف من ناحية الفكر والمنهج والأفعال والنتائج والمشاريع في المنطقة. أنه التاريخ يعيد نفسه بأسماء أخرى ولكن بنفس الأسلوب والنتيجة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط