الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

العشم


كلمة تحمل معاني الرجاء والتوسم بالخير من الآخرين ولكنها قد تجلب التعاسة والشقاء على البعض من سوء استخدام بعض البشر لها.

قد تتعشم في شخص ما فتستبيح خصوصياته وتقتحم حياته دون أن تدرك أنك تتعدى كل الحدود وتحلل مواقفك على أنها عشم في من تحب. مهما كانت العلاقة بين الناس يجب أن يحترم كل منا خصوصيات الآخر ولا يتعدى الحدود أو يقفز فوق الأسوار تحت مسمي العشم والتوسم بالخير، فمهما كانت العلاقة بين البشر تبقى الخصوصية حق لكل مخلوق عاش على هذه الأرض.

ابنك أو ابنتك لكل منهما خصوصيته مهما بلغ حبك لهما، زوجتك، أبوك وأمك، أقاربك، أصدقاؤك، يجب أن تحترم كل هؤلاء ولا تحاول تخطي الحدود مهما حدث ومهما ظننت أنك مقبول لدى الآخرين، فقد تكون تعديت الحدود بسيف الحياء وليس بالقبول أو بالحب، تذكر دائمًا أن العشم في الحديث والتوغل في معرفة ما ليس من أمرك قد يؤذي الآخرين دون أن تشعر فيبتعد عنك بالتدريج كل من هو قريب منك.

تحلى بالإيمان لا بالتطفل على حياة من حولك، اكتف ببعض التفاصيل المسموح البوح بها، لا تحاول أن تتوغل في ما ليس من شأنك معرفته، مهما كانت العلاقة بمن حولك، قد ترتبط بفتاة وتقحم نفسك في كل التفاصيل ولا تترك لها قدرا من الخصوصية حتى تنفر منك وتتغير المشاعر وترفض الارتباط بك، تذكر دائمًا أن من الحب ما قتل ومن العشم من نَفَر البشر وهدم العلاقات.

وقد تقترب من صديق وتظن نفسك أصبحت مسئولا عنه وأنه يخصك فتقحم نفسك في حياته وتغير تفكيره تجاه الآخرين فتخرب الحياة وتكون أنت من سعى لذلك دون قصد منك تحت ستار العشم والمسئولية تجاه الآخر.

وقد تتعلق بشخص ما وتقترب منه وتنزع كل الحدود ظنًا منك أنه حق لك وأنك امتلكت هذا الشخص بالقرب منه، وينتهي بك الحال لخسارة هذا الشخص من شدة ما أقحمت نفسك في تفاصيل حياته ومن عدم احترام الخصوصية وتخطي الحدود.

تذكر أن الأديان السماوية حثت على احترام الخصوصية مهما كانت درجة القرابة أو شدة العلاقة، وقد تأذى نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) من بعض أصحابه من عدم قدرتهم على التفريق بين حياته الشخصية وخصوصيات منزله وبين مسئوليته كنبي للأمة الإسلامية حتى حسم المولي عز وجل ذلك في كتابه حيث قال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللهِ عَظِيمًا (53) إِن تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54)".

ولَم يقصر القرآن الخصوصية على النبي وحده بل جعلها حقا واضح الملامح لكل إنسان، حيث قال في كتابه الكريم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29)﴾.

حافظ على حرمات الناس ولا تقنع نفسك بأنك تسأل من باب العشم أو من باب المعزة والقرب، واحذر قد تؤذي من حولك بالمراقبة المستمرة لهم وانتهاك خصوصية حياتهم مهما كانت مبرراتك، دع الخلق للخالق واستر من حولك ولا تجسس على ما نهيت عنه وتذكر قول المولى عَز وجل ولا تجسسوا، فإن الفضول والعشم يقضي على المحبة والقرب دون أن تشعر، وتتحول العلاقة إلى عبء قد لا يتحمله بعض البشر.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط