الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا


عندما يتوصل أحد العلماء إلى اكتشاف مفيد للبشرية لا يستطيع القول بأنه جاء به من عنده، لأن العلم كله موجود مسبقا في مخلوقات الله، وما يقوم به العالم (مشكورا) هو التقاط المعلومة والاستفادة منها لا أكثر.

في سورة الأنعام، وصف سبحانه وتعالى الكائنات الحية حولنا بأنها "أمم أمثالنا"، أمد كلا منها بخصوصيات ومعجزات، وسخرها لنا وجعل من التأمل في خلقها عبادة.. كل الابتكارات والاختراعات التي قامت عليها الحضارات البشرية عبر التاريخ تعلمها الإنسان من الحيوان والطير والطبيعة، والأمثلة على ذلك يصعب حصرها في مقال، لكن سنذكر أمثلة قليلة مما تعلمه الإنسان في الماضي مع بعض ما يشغل بال العلماء ويريدون نقله إلينا في المستقبل..

أول دفن للموتى تعلمه ابن آدم من الغراب كما جاء في سورة المائدة: ‏"فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ" (31).. ثم شاهد البط وهو يسبح، فصنع القوارب، ولما شاهد الطيور تبني أعشاشها أدرك أهمية المسكن، ولما رآها تطير حاول تقليدها، والكل يذكر حادثة عباس ابن فرناس الذي صنع لنفسه أجنحة وطار بها من علو في القرن التاسع الميلادي وسقط وكسر ظهره، لأنه لم يفكر في تركيب ذيل ولم يتعمق في علم الله وحسابات الوزن والجاذبية اللازمة لنجاح فكرته.. ودفاع الحيوانات عن نفسها ضد الأمراض علمنا صنع الأمصال واللقاحات، وأي دواء يجرب على الحيوانات أولا قبل إجازته للإنسان، وحتى مادة الفيرومون التي تفرزنها إناث الكائنات لجذب ذكورها من مسافات بعيدة، قام العلماء باستخلاصها وإضافتها إلى عطور النساء !..
ولأن الحديث في الماضي يطول، سنكمل المقال بما يشغل بال العلماء هذه الأيام.

يحاول العلماء فهم قدرة خارقة وهبها الله لطائر صغير هو نقار الخشب وحيوان ضخم هو الكبش.. الطائر نقار الخشب يضرب بمنقاره جذوع الأشجار الصلبة ليحفر لنفسه بيتا فيها، ينقر آلاف المرات يوميا ولعدة أشهر ورأسه يضرب في الخشب كالشاكوش، ولا يصاب بارتجاج في المخ ولا انفصال في شبكية العين !.. وكبش الجبل يصل وزنه إلى 120 كجم ووزن قرونه يصل إلى 10 كجم. عندما يتناطح كبشان، يقفان على أرجلهما الخلفية وتهوي أجسامهما في نفس اللحظة وتصطدم الرأسان بسرعة 60 كم/ساعة ويكرران ذلك مئات المرات يوميا، ولا يصاب أي منهما لا في مخه ولا في عينه.. يحلم علماء المخ والطب الرياضي بالاستفادة من هذه الصفة لحماية البشر من عواقب إصطدام الرأس في حوادث السيارات والرياضات الخطرة كالملاكمة وكرة القدم وغيرها ويتساءلون: لماذا لا تتأثر رأس الطائر النقار ورأس الكبش من هذه الضربات العنيفة، وكيف يمكن تقليدها لحماية رؤوس البشر وعيونهم، حيث يصاب أربعة ملايين لاعب كل عام بارتجاج في المخ وانفصال في الشبكية، ويموت 1.3 مليون شخص ويصاب 50 مليون في حوادث السيارات سنويا،

صناع الطائرات أيضا غير مرتاحين لجناح الطائرة الحالي لجموده وثباته ويريدون صنع أجنحة مرنة كأجنحة الطيور تستجيب ذاتيا وسريعا لتلقبات الضغط الجوي المحيط بها عند الإقلاع والطيران والهبوط، ويحاولون فهم ما يحدث في أجنحة الطير بتركيب مجسات وكاميرات صغيرة عليها وتحليل المعلومات بعد عودتها. نفس معضلة المرونة وملاءمة الوسط المحيط تواجه الغواصات في أعماق المياه، ويدرس العلماء انسيابية أجسام الحيتان والدلافين لنقلها إلى أجسام الغواصات.

أما قوة النمل فقد حيرت العلماء هي الأخرى، فالنمل أقوى مخلوق على وجه الأرض نسبة إلى وزنه. النملة يمكنها حمل أثقال ضعف وزنها خمسين مرة وتمشي بها مسافات طويلة، ولو كانت لدى الإنسان قوة النمل لأمكنه حمل 2.5 طن بسهولة.

فريق آخر من العلماء مفتون بالقلب وقدراته الجبارة ويتمنى تحسين محركات السيارات ومضخات المياه لتقترب من أدائه. القلب الذي هو بحجم قبضة اليد، يبذل قوة في اليوم الواحد تكفي لتسيير شاحنة لمسافة 32 كم، والقوة التي يبذلها طوال حياة الشخص تكفي لجر سيارة إلى القمر والعودة بها إلى الأرض !.

صانعو الأحذية والروبوتات عقولهم مشغولة أيضا بسر عجيب في أرجل البرص وأصابعه، كيف تلتصق أرجله وهو يهرول بسرعة على الجدران والسقوف وظهره إلى الأسفل، ويحلمون بتصميم أحذية لرجال الإنقاذ والروبوتات تمكنهم من تسلق الجدران والمشي على السقوف مثله !.

قد يبدو تطبيق مثل هذه الأفكار غريب في الوقت الحاضر، وقد يبتسم قارىء ويقول هذا مستحيل، لكن بعض ما نراه اليوم لم يكن يصدقه عقل قبل عشرين سنة.. هناك رجال يصلون الليل بالنهار يفكرون ويبحثون ولديهم الإرادة والتصميم ولن يهدأ لهم بال إلا إذا حقق كل منهم ما يريد.. وعلى اختلاف ألسنتهم وألوانهم، كل منهم يؤمن في داخله ويردد على طريقته: "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا".
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط