الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

استفتاء الكرد ولعبة الأمم


بعيدًا عن المواثيق والمعاهدات الدولية والتي تعطي للشعوب حق تقرير مصيرها متى ما شعرت بالظلم والغبن والإجحاف والقتل والمجازر والتهميش الثقافي والسياسي والمجتمعي، بعيدًا عن كل ذلك لأنه أولًا وأخيرًا أننا أمام قضية شعب عانى شتى أنواع الظلم والقتل تحت شعارات دينية وقومية من هذا النظام أو ذاك. 

وكلنا يدرك أن تلك المواثيق الدولية الشرعية أنه تم إعدادها وتحضيرها وشرعنتها خلال الحربين العالميتين والكونيتين التي راح ضحيتها ملايين من البشر وتم منحها الشرعية الدولية من قبل القوى الدولية حفاظًا على مصالحها في الأسواق المستهلكة لقوى النهب العالمية المتمثلة بالرأسمال المالي التي لا همَّ لها سوى الربح والربح والربح.

وجميعنا يدرك تمامًا أن كل ما تسمى بـ"الدول الشرعية" لم تنل استقلالها من خلال القوانين والمواثيق الدولية المحفوظة على رفوف المنظمة الأممية ويعلوها غبار عشرات السنين، لأنه لم يقم أحد الرجوع إليها للتأكد من سريان صلاحيتها من انتهائه، لكنها مصالح الأمم حينما تهتز الكل يهرع لتلك القوانين ويحملها كشماعة لشرعنة سلطته واستبداده على الشعوب. 

لن أخوض في أمثلة الدول التي نالت استقلالها خلال القرن المنصرم والحروب التي اندلعت من أجلها إن كانت تلك الحروب من فِعل الشعوب التواقة للاستقلال أم من فِعل القوى الدولية لغايات في نفس يعقوب. 

المقاربة التي باتت حديث المنطقة التي تعيش طوفان التقسيم وجهنم الحرب العالمية الثالثة والتي ندرك جميعًا أنها من صنع القوى الناهبة لآمال الشعوب في العيش بكرامة وحرية، أنهم الشعب الكردي الذي يسعى لنيل الاستقلال أسوة بباقي دول المنطقة، حلم الاستقلال الذي يراود الشعب الكردي ويدغدغ عواطفه الوطنية والقومية في العيش ضمن قفص الدولة حالة لا يمكن إنكارها بتاتًا، ولكن السؤال الهام المطروح هو: هل كل ما حلم به الآخرين ونحلم به نحن أيضًا ينبغي أن يطبق أو نعيشه؟

الاستفتاء المزمع إجراؤه خلال هذا الشهر في اقليم كردستان العراق لاقى للأذن الصماء وزاد من شوفينية الدول القومية تحت حجة الحفاظ على سيادة الدولة المصطنعة هي بالأصل بيد القوى الرأسمالية، إنها حالة أو ظاهرة الشيزوفرينيا التي يعيشها الحكام وكذلك النظم الاستبدادية في المنطقة. في حين أنهم ينكرون على الغير الحلم العيش ضمن دولته وبنفس الوقت يعملون هم أي الحكام كل شيء من أجل الحفاظ على دولتهم السلطوية. 

بغض النظر عن مشروعية الحلم الكردي في الاستقلال من عدمه إلا أن المنطقة بحاجة لبعض من الأخلاق والضمير والديمقراطية والسياسة المجتمعية أكثر من الاستقلال بحد ذاته. فما قيمة الاستقلال وإن كنا نعيش على جهد الآخرين من المأكل والملبس والأمن، فالأنظمة المتربعة على دولها "المستقلة" لا تملك الحيلة في الدفاع حتى عن ذاتها فما بالك بشعوبها الذين أصبحوا ضحية المصطلحات المقدسة التي صنعتها لنا القوى الرأسمالية الناهبة.

اتفق أن المنطقة متخمة بالأصل بالدول المصنعة بيد الغرب قبل مائة عام وأن صلاحيتها قارب وشارف على الانتهاء، وأن المنطقة لا تحتمل المزيد من الدول. بل المنطقة تبحث عن الديمقراطية والكرامة والحرية التي هي هدف كل انسان وذلك بعيدًا عن مفهوم الدولة القوموية المصطنعة. وعلى الكرد ألا يقلدوا العرب بما هم فيه، حيث أنهم أي العرب يعيشون في دول مصطنعة ولا يدركون ألف باء فن إدارة هذه الدول، وبنفس الوقت يقتلون بعضهم البعض على ترسيم الحدود ونحن في القرن الحادي والعشرين. أي أن العرب حتى الآن لم يخلصوا فكرهم من جحيم ولعنة الدولة القوموية المصنوعة بيد الغرب (الكافر والفاجر) كما هم يدعون. 

الاستفتاء الشعبي هو حالة طبيعية في أخذ رأي الشعوب في أمر يخص الجميع وليتنا ننشر هذه الثقافة المدنية في كل شيء ولنأخذ رأي الشعب في كل شيء، ولكننا ندرك تمامًا أن الشعب لا يأتي على بال الحكام إلا من أجل زيادة سلطانهم وسلطتهم ونفوذهم في الاستيلاء ونهب الشعب باستغلالهم للعواطف القوموية والوطنية.

كل العرب يسبون ويشتمون اتفاقية سايكس – بيكو على أنها اتفاقية تمزيق المنطقة وصناعة الدول وأن هذه الدول من صناعة الغرب وتمت رغمًا عن شعوب المنطقة، هذا المتفق عليه، ولكن إن أردت أن تناقشهم على إزالة هذا الإجحاف والغبن والتقسيم الغربي للمنطقة، فإن الكل سيعلنك بالكافر وعميل الماسونية وآلة وبيدق بيد الغرب وامريكا. يا لها من ظاهرة مرضية وعلينا نحن الكرد ألا نقع في هذا المرض النفسي الذي يعيشه جيراننا. وعلينا ألا نكون لعبة بيد القوى الاقليمية والدولية التي لا همّ لها سوى مصالحها.

نعم، المنطقة بحاجة للديمقراطية والعيش المشترك بين شعوبها على أساس أخوة الشعوب وفق نظام الأمة الديمقراطية البعيد كل البعد عن مفهوم الدولة القوموية الشوفينية. ولنعمل على تطبيق معادلة التقليل من سلطة الدولة مع التكثير من الديمقراطية، حينها يمكن العيش بكل كرامة وبانسانيتنا.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط