الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أستانة" سوق النخاسة لبيع سوريا


انتهى اجتماع أستانة وتوصل المجتمعون على تقسيم سوريا إلى مناطق ما تسمى "خفض التوتر" زورًا وبهتانًا والهدف منها هو تثبيت مناطق نفوذ القوى الإقليمية والدولية التي سعت خلال السنوات السبع على تقسيمها وتفتيتها إلى دويلات متناثرة على الجغرافيا. إنها الجولة السادسة من صراع الجبابرة في الحلبة السورية المنهارة أصلًا منذ بداية الأزمة في جوانبها الطائفية والمذهبية والعرقية.

المساومات التي تمت بين القوى الإقليمية والدولية وفقًا لمصالح كل طرف زادت من حالة القيح المؤدي إلى احتضار الوطن على قرقعة كؤوس سماسرة الحرب والقوى الناهبة الرأسمالية وكل من يدور حولها. كل الاجتماعات التي عُقدت في الأستانة وجنيف للتوصل لشبه حل للأزمة السورية لم يتمخض عنها سوى زيادة الطين بلة وخروج أصحاب القضية "من المولد بلا حمص"، وتركوها في عهدة من كان يتمنى في أحلامه أن يضم أجزاء من سوريا إلى حدوده.

تركيا التي كانت تسعى لقضم الشمال السوري وضمه لحدود دولتها العثمانية خلال القرن المنصرم وبالرغم من كل محاولاتها لم تنجح حتى الدخول لشر واحد، لكنها في القرن الحادي والعشرون وبعد السنوات السبع ومن خلال دعمها لكافة الإرهابيين والمتطرفين ها هي الآن تجني ما زرعته، وذلك تحت رعاية دولية وعلى مرأى ما يسمى "النظام البعثي الشرعي" الفاقد لشرعيته وكذلك المعارضات الفاقدة لأدنى أخلاقيات الثورة في بناء مجتمع جديد. بل على العكس عمل الاثنين "المعارضة والنظام" وفي عاصمة سوق النخاسة الدولية "استانة" على بيع سوريا لتكون بذلك كمن باع زوجته أو ابنته كي يعيش على فتات موائد الجبابرة.

أين هي السيادة لمن كانوا وما زالوا يتشدقون بالوحدة والسيادة الوطنية وكذلك أين هم كانوا يناضلون من أجل القضاء على الدكتاتورية الاستبداد، فهل فاتورة القضاء على الدكتاتورية هي بيع الوطن هكذا "عيني عينك" مثلما يقول المثل الشعبي.

نعم، ستدخل قوى قليمية ودولية عدة لفرض "خفض التوتر" بين الأطراف المتصارعة وليس إنهاء التوتر، وهذا يعني أن هناك جولات وصولات من النحر والقتل والتفجير والاغتيالات ستتم حتى يتم استنزاف الكل ضد الكل، وهذا ما تسعى له الدول الضامنة إيران وتركيا وروسيا والشاهد على هذه الجريمة هي طبعًا امريكا والأردن.

إننا إذًا أمام مرحلة جديدة من حرب المصطلحات وسوف يكون الشعب هو الضحية ثانية ما بين خفض التوتر وإنهاء التوتر وتحت رعاية دولية لقوى النهب الرأسمالية.

هكذا نحن شعوب المنطقة نرتهن للآخر السمسار الذي لا همَّ له سوى مصالحه لا غير، وهذا نابع من ثقافتنا التي ورثناها عبر آلاف السنين. نثق بروسيا وأمريكا وإيران وتركيا وكل من يسعى لأخذ حصته من الكعكة السورية، ولكن أبدًا وأبدًا لا يثق النظام ولا المعارضة بقوة وعظمة الشعب. وهنا تكمن نقطة الضعف لأنهم يدركون تمامًا بعد سنوات من الاستبداد أنهم لم يقدموا شيئًا لشعبهم سوى إجبارهم على الخنوع والركوع والانبطاح والظلم والقتل لهذا هم يخشون الشعب ويرتمون في أحضان القوى التي قسمت المنطقة في القرن المنصرم ويقدمون الموطن على صينية من ذهب لنفس القوى الناهبة لتقسيمها من جديد.

تراجيديا الذهنية الشرق اوسطية تكمن في ماهيتها الهشة التي لا أساس لها سوى النهب والسلطة واستمرارية التربع على عرش السلطة، أما الشعب فليذهب للجحيم. وكأن النظام والمعارضة يقولون للشعب ما عليكم سوى أن تكونوا ضحية لمصالحنا الشخصية والعائلية والمذهبية، ويضعون أنفسهم مكان الرب ويرددون "إلا لتعبدون".

نعم، إننا بحاجة إلى ثورة نقضي فيها على الاستبداد والظلم السياسي والاقتصادي والاجتماعي وننعم ولو قليلا من الكرامة. لكن علينا أن ندرك جيدًا أن هذا لن ولن يحدث فقط بحمل السلاح إذا لم يتوج قبل ذلك بثورة ذهنية للتخلص من حالة العبودية الذهنية التي نعيشها. أي أنه يلزمنا ثورة ذهنية واخلاقية لنستطيع من خلالها بناء مجتمع سياسي وأخلاقي، وخارج عن ذلك لا يعتبر إلا نفاق ورياء واستمرارية العقلية السلطوية التي لا همَّ لها سوى النهب والسرقة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط