الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الكَبَدُ اللذيذ..‎


لَمْ يغْفَل القرآن الكَريم أي أمر في حياتنا مهما عظُم شأنُه أو قلَّت أهميته ،، شَملنا الله بعلمِه فأبتعدنا بجهلنا، وسِعَتنا رحمَتُه فما أزدادنا إلا قسوة ،، نظّم قوانين الدنيا ووضّحَ كيفية الإستعداد للآخرة فبذلنا الغالي والرخيص لنتحايل علي تلك القوانين ،، الدنيا لُغز سبَق حلُّه ، فزورة الكُل يمًْلُك إجابتها ويدعي الإنشغال بالبحث عَن حلِها ،، ذَكَر الله اليُسر في كتابه الكريم ثلاث أضعاف الْعُسْر، فاليُسر ذُكر ستة وثلاثون مرة بينما العُسر إثني عشرة مرة وإذا تدبرنا التفكير في ما يَقِضُ مضاجِعُنا سنجده بنفس القَدْر ، ولكننا لا نتذكر إلا ذلك الجزء وننسي الثلاث أجزاء الممثلين في نِعَم لا تُعَد ولا تُحْصَي مِن "صِحة "تعينك علي قضاء حاجتك دون إنتظار يد تمتد إليك بدافع الواجب أو ربما الشفقة ،، و "الستر" في أربعة حيطان يداروا عوراتك و عيوباتك .

وَلَن يُنْكِر ذَلِك الحُكم الرباني في وصف الدنيا بأنها دار شقاء فَكُل تِلْك النِعم لم توفر للإنسان ما يفني عمره باحثًا عنه وهو" الراحة" ،، وكيف الراحة إذا قال و قولُه الْحَقْ "لَقَدْ خَلَقْنا الإنسانَ في كَبَدٍ" أي الدنيا دار شقاء وتَعَبْ ،، كُل ما فيها قادِر علي أن يَقْتُل راحتَك بدِم بارد نَظْرَة غاضبة مِن هذا أو كَلِمَة حانقة مِن تِلْك كفيلين بتبديل حالَك !! نمضي في الحياة ولا نُدرك هل نحن مسيرين أم مخيرين ؟ نُعاني كَبَد أختياراتنا الخاطئة و نعلِّق الأسباب في عُنق القَدَر و نلقي بالنتائج في رَحِم الظروف !! نتعاطى الڤيتامينات ونواظب علي التمرينات حتي نقهر الميكروبات ، وفِي اللحظَة التي نمشي فيها مُختالين بقوتنا نُدرِك مدي ضعفنا إذا اصطدَم أِصبَعَك بالباب أو داهمَك صُدَاع لينذِرَك بأِصابتك بأنفلونزا ستطرَحُك فراشًا لأيام و إن قَصرُت فهي طويلة ،، كم هي مُرهِقة لعبة الحياة !!

غير متكافئة الأطراف لذا فهي محسُومَة النتائج ،،، لَكِن أليس مِن الجاءِز إن العِيب فينا ؟ نَحْنُ مَنْ نقرأ قواعِد اللُعبة ولا نُحسِن فِهمها ؟ سلْمّنا لذُل الشكوي ، و أستسلمنا لهوان النَّفْس !! لِمَ لا نُعيد القراءة ؟ نتدبَر في المعطيات ونُعقِل المسلمّات !! يا الله يا عالِم السِّر والنجوي نبهتنا في كِتَابِك الكريم بوجوب التفكير والفِهم والعَقل والتدبُر فآثرْنا البُعد عنهم،، "الحياة كَبَدْ" أمر رباني لا مناص مِنْه ، لٓكِن التعامُل معه أمر إنساني لا فرار فيه،، تأمل الكون مِن حَوْلِك ليل يعقُبه نهار ، لا سحابة تظل في مكانِها ولا نَجمة يدوم وهجها ، الشجرة تبدأ ببذرة فتصبح عودًا يشتد ويطرَح وفِي خِضَم عُنفوانها تتساقط أوراقها ويميل جِذعها وتزداد حلقاتُها فيزداد ميلُها،، تزحزح الشمس ستائر الْكَوْن علي إستحياء لتُبَدد عتمة الليل يشتد نورَها ويهدأ قلقُها بعد أن أحكمَت سيطرتُها علي السماوات والأرض ولكن ما هِي إلا فرحِة بمُلك زاءل فساعات ويعود لها حياءها لِتُلَمْلِمُه وترحل في هدوء رافعة رايات الهزيمة علي يدِ قَمَرٍ قَد لا يزالُ وليدًا ،، لا يمْلُك سِلاحًا إلا دلاله ،،فمِن الهِلال للبَدر رسالة أن الكمال لله وحدُه ،، لا قوة داءمة ، ولا جَمال باقي ، الظلام فاني ، والنور زاءل ، والذكري ما يُعوَل عليه،،، كُن كالكَون تقَبَل الهزيمة وأنتظِر الإنتصار وَلَكِن قبل هذا وذاك تدبّر صُنع الله فالحركة أصل القِصة ،

تشبَّه بالجبال في صلادتها وبالشمس في خِفَتِها وبالقمر في حضوره وبالنجوم في وهجِها،، كُن أنت كُونًا داخِل الكون.. ألا يعاني الكون نَفْسَهُ الكَبَدْ ؟ نعم يعاني ولكنّه " الكَبَدْ الحلو" فالسعادة والرضا في العطاء، والسرور والحبور جزاء كُل صَبور ،، ذُكِر الصَّبر حوالي تسعين مرة في القرآن الكريم وتكررت بشارةُ الله للصابرين في آيات عديدة إذًا أليس وعدُه حَق ؟ لا تجعل للكراهية مكان في قلبِك ستستنزِفَك وتجعَلَك في كَبِدْ الكَبَدْ ، ذَكَر الله لفظ الحُب ضعف لفظة الكراهية فتدبَر وأوهِب قلبَك للمحبة ،، إذا كُنت تعاني الكَبَدْ جِراء المجهود الذي تبذِلُه فخِر لله ساجدًا علي نِعْمَة ( قيمتك وتأثيرك في حياة الغير) و إذا كان الكَبَدْ علي هيئة أشخاص فأنتظِر مكافأتك بعد الصبر الجميل ، أستمتع بتفاصيل تِلْك المرحلة فيومًا ما سترويها وتتفاخر بمقدار الكَبَدْ والألم الذي تحملته وهنا ستشعُر كم كان الكَبَدْ " لذيذ"....
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط