يحيى ياسين يكتب: ما بك أيها العام الدراسي.. كيف أدعوك سعيدًا كما يدعون؟
عامٌ دراسيٌ أتى بكل تفاصيله، سعيدٌ على قوم وتعيسٌ على آخر، جملةٌ لطالما ترددت فى أوساطنا وعلى مسامعنا «عامٌ دراسيٌ سعيدٌ»، فهل يكون سعيدًا حقًا؟ أتذكر فى مثل هذا اليوم منذ عامين وأنا أخطو بقدمى إلى أول يوم دراسي لي في الجامعة مرتديا أحسن ما أملك من ملبس وقد تعطر جبيني، كنت أمشي واثق الخطى، فرحًا لبدء مرحلة جديدة من عمري وكلى أملٌ بمستقبل هو أشبه بحلم لطالما حلمت به.
سرحت لبرهة في أعين أصدقاء جدد فمنهم المهموم، ومنهم البائس لحاله، ومنهم المتقبل الباسم لعالم جديد، تذكرت حديثي مع أحد الأصدقاء وقد رمى به القدر لكلية لم يرغبها من قبل فقال: « هذه أو غيرها كلنا سواء ! أدبي أو علمي فلا تختلف كثيرًا كلنا عطلاء على المقهى نلتقى»، عجبت لبؤس يرتابه وهو في أول يوم دراسي في الجامعة!، فسألته من أى قسم أتيت؟ أجابني "كنت علمي رياضيات لأصبح مهندسًا لطالما حلمت بذلك، ولم يحالفني القدر بنصف درجة فقط لألتحق بها !" ثم شاح بوجهه عنى وتركني وغادر الجلسة.
وما هو الا القليل حتى قدم صديق آخر لم تختلف معالم وجهه عن ذى قبل، فقال "مالك لابس الحتة النضيفة وعامل فيها سفير؟" تبعتها ضحكات متقطعة وكأنه يستهزأ! ثم لم يجد منى جوابا فمد يده يصافحنى وعرف نفسه فعرفت أنه جديد أيضا !، فتعجبت لماذا يستهزأ وهو جديد مثلى! أليس لزامًا عليه أن يكون فرحًا؟ ثم أخبرنى أنه كان يريد أن يصبح صيدليا ولم يحالفه الحظ أيضا بدرجة واحدة حتى أتى به "التنسيق" إلى تلك الكلية!
لم يستمر النقاش طويلًا حتى جاء شابٌ لا يلفت جنبه واضع السماعة فى أذنه يردد مع الغنوة التى يسمعها، فقدم وألقى السلام ثم قال أنا "السفير" أحرزت 99% فى الشعبة الأدبية ومن أوائل الجمهورية، فضحك الزملاء وصمت أسمعه وأراقبه وهو يقلب النظر في زملائه بكبر وغرور، أشعرني وكأنه بلغ العلا فليس له من مُنزل بعد ذلك!.
توقف تفكيري قليلًا عن أفكار المجد والأحلام التي كانت تراودني لأفكر في ثلاثة أصناف من الأصدقاء سيستمرون طوال الأربعة أعوام، شخصين محبطين لخيبة أملهما فى بلوغ آمالهما، وآخر حقق حُلمًا فطابت نفسه واطمأنت سريرته ويرى أنه أحق بهذه الكلية دون الباقين وكأنهم منبوذون مطرودون من مجتمع لا ينتمون إليه.
أما فاقدو أملهم فلم يستسلموا لواقع فُرض عليهم فهم يكابدون ليتماشوا مع أوضاعهم وأراهم الآن أوائل أقسامهم!، وصاحب الألف مسكن في غروره بين زملائه لا يزال يثير أسلوبه بين زملائه وهو كالمنبوذ المطرود، لذلك أصدقائي، لا يحطمنكم نظام تعليم ليس من بعده سوى قعود وحسرة، فلا فرق بين طبيب أو مهندس أو محام فكلٌ ينجح حسبما يخطو وأراد فلم تعد الشهادة الآن هي المسلك والمنتهى!.
عودة لتفاصيل أول يوم الذي ما زال عالقًا في ذاكرتي، دخلنا المحاضرة جميعًا فقدم الدكتور بطلته البهية ماسكًا بقارورة ماء مرتديًا بدلة من أحسن لباسه وأغلق خلفه أبواب المدرج، ثم وقف يصنف الطلبة من أي أقسام جاءوا ويبدى توقعاته الجميلة لمستقبل كل طالب، رأيت إلها يأمر وينهى على طلبة يُشيحهم بيمينه ثم يجيء بهم بيساره، كيف لا يفعل وقد فوضه القانون بسلطات وليس عليه رقيب أو حسيب سوى رب العالمين!.
لا يسعنى أن أصف كم التجاوزات من دكاترة لا يرحمون ولا يضعون سوى ما يحلو لهم من محاضرات وامتحانات عقيمة ليس هناك تعلم ولا جدوى منها، فكم من طالب أودى به نظامٌ تعليميٌ قاسٌ إلى وجهة لم يردها قط ولا يعرف عنها شيئًا؟ ليت العدد يقتصر على كليتي فحسب بل أعداد تتجاوز عشرات الآلاف لم يخطوا حياتهم بملء إرادتهم بل سلموا أمرهم لتنسيق فاشل ليس له سوى إمكانية الكليات لاستيعاب الطلاب!.