الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مؤمن أبو جامع يكتب : التغير المناخي والتهديد الخفي على صحة الإنسان

صدى البلد

ربما لا يدفع الكثير من الناس باهتمامهم لمتابعة أخبار المناخ والبيئة كمثل اهتمامهم بالأخبار السياسية أو الرياضية, ولكن عندما يعرفون حجم الخطر الذي يتربّص بصحتهم جرّاء التغير المناخي, فهنا يمكن أن يغيروا رأيهم ويبدأوا بزيادة اهتمامهم بأخبار المناخ والبحث في إمكانية مواجهة التغير الذي يسببه, ويمنحون ذلك قدرًا كافيًا من الاهتمام.

على مدى السنوات الخمسين الماضية تسببت الأنشطة البشرية، وخصوصًا إحراق الوقود الأحفوري، في إطلاق كميات من ثاني أكسيد الكربون وغيره من غازات الدفيئة تكفي لحبس المزيد من الحرارة في الطبقة السفلى من الغلاف الجوي الأمر الذي أثّر في المناخ العالمي. وخلال المائة سنة الماضية ارتفعت درجة حرارة العالم بمقدار 0.75 درجة سلسيوس تقريبًا، وعلى مدى العقود الثلاث الماضية تسارع معدل الاحترار العالمي أكثر من أي عقد منذ 1850, ومنذ الستينات من القرن العشرين زاد عدد ما تم الإبلاغ عنه من الكوارث الطبيعية ذات الصلة بالأحوال الجوية أكثر من ثلاث مرات على الصعيد العالمي, وفي كل عام تتسبب هذه الكوارث في أكثر من 60000 وفاة معظمها في البلدان النامية.

إن مستويات سطح البحر آخذة في الارتفاع والأنهار الجليدية آخذة في الذوبان كما أن أنماط الهطول آخذة في التغيّر. والظواهر الجوية المتطرفة تزداد شدة وتواترًا. وهذا التأثير كان له التبعات السلبية في المحددات الاجتماعية والبيئية للصحة كتوفّر الهواء النقي ومياه الشرب الصحيّة والغذاء الكافي والمأوى الآمن.

إن تغير المناخ يؤثر على كل واحد منا على مستوى شخصي جدًا لا يدركه الكثير منا و هو صحتنا, لذلك إن محاربة التغير المناخي تعني فرصة لإنقاذ الملايين من الأرواح.

ربما نلاحظ بوضوح إقبال الناس على منطقة أو دولة معينة دون غيرها, حيث يتم السفر إليها للاستجمام والسياحة؛ ذلك لأن هذا المكان أفضل من غيره من ناحية الطقس والطبيعة, ومستويات التلوث فيه أقل وبالتالي سيكون الشعور بالاستقرار والراحة أكبر, وهنا أتساءل لماذا لا نحافظ على بيئاتنا قبل أن تكون طاردة لنا.

من المفترض أن لا يخفى علينا تأثير التغير المناخي على صحتنا، ومن البديهي أن المناخ الحار يوفر الظروف المناسبة لنمو وتكاثر الحشرات الناقلة للأمراض مثل مرض الملاريا وحمى الضنك, كما أن ارتفاع درجات الحرارة سوف يؤثر على الفئات الضعيفة مثل الأطفال وكبار السن مما يزيد من معدلات الوفاة نتيجة الإجهاد الحراري.

من المعلوم أن استخدام الفحم الحجري كمصدر للطاقة ينطوي على عديد المخاطر وليس فقط على البيئة كونه ينتج عن احتراق كميات هائلة من عنصر الكربون ولكن أيضا على صحة البشر الموجودين في دائرة استخدامه من عمال وسكان حول المناطق الصناعية وعمال الشحن والتفريغ في الموانئ.

إن ارتفاع مستوى مياه البحار نتيجة التغير المناخي أدّى إلى تسرب المياه المالحة إلى مكامن المياه الجوفية في المناطق الساحلية، مما يقلص كميات المياه الصالحة للشرب والري, لذلك يجب أن نعي تأثير التغير المناخي على المياه العذبة حيث أنها مشكلة تواجه كل أجزاء العالم العربي, ويجب أن نتساءل كيف ستواجه بعض الدول مشاكل رئيسية في موضوع توفر مياه الشرب. ومع هذه المشاكل ستتولد مشاكل كالهجرة, تبعًا لاعتماد المنطقة العربية بشكل كبير على الزراعة حيث توجد الكثير من المجتمعات الريفية التي تعتمد على هذه الموارد سواء كانت زراعة أو مياه وبسبب نقص هذين العنصرين, ستحدث كذلك هجرة داخل الوطن العربي.

قلة المحاصيل على سبيل المثال هي أحد أثار التغير المناخي ومن المتوقع أن المحاصيل في مصر وتونس وليبيا ستقل بمقدار 30% في حال وصل ارتفاع درحة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية. وأثبتت الدراسات انه هنالك إرتباط وثيق بين التغير المناخي و بعض الأمراض الخطيرة مثل الملاريا و كل هذه تهديدات يواجهها العالم العربي وهذا دليل على أن مكافحة التغير المناخي أمر لابد منه لضمان مستقبل اَمن.

تعتبر الأمراض التي تتأثّر بالمناخ من أكبر الأمراض الفتاكة في العالم ومنها الملاريا, حيث تؤثر التغيّرات المناخية على التوزيع الجغرافي وكثافة انتقال الملاريا والتي تنتقل ببعوض "Anopheles" حيث تمتدّ فترة حضانة طفيل الملاريا 26 يومًا على درجة حرارة 25 سْ ولكنها تنخفض إلى 13 يومًا على درجة حرارة 26 سْ, ولقد لوحظ إزدياد انتقال الملاريا في المناطق المرتفعة في تنزانيا وكينيا ومدغشقر وإثيوبيا ورواندا. بالإضافة لمرض حمى الضنك Fever Dengue والتي تنتقل عن طريق لسع البعوضة المصريّة.

 ويؤدي هطول الأمطار الغزيرة ودرجات الحرارة المرتفعة إلى زيادة انتقال العدوى بهذه الحمى, ومن الأمراض كذلك الليشمانيا والتي تنتقل عن طريق ذبابة الرمل ولقد تغير توزيعها في السنوات الماضية حيث عادت أنواع أخرى من ذباب الرمل إلى الظهورفي أجزاء معيّنة من العالم. وهناك مرض البلهارسيا, فمن المتوقع أن يؤدي تغيّر المناخ إلى إتساع مساحة المنطقة التي تحدث فيها الإصابة بمرض البلهارسيا الذي تنقله القواقع. وهناك أمراض أخرى تنتقل عن طريق القوارض مثل متلازمة فيروس هانتا الرئوي والتي تزداد أثناء هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات، حيث يزداد عدد القوارض الناقلة لهذا المرض, كما أن هناك ازدياد عام في الإلتهابات البكتيرية والطفيلية ولدغات الأفاعي.

إن مكافحة التغير المُناخي تتطلب الحدّ من انبعاث غازات الاحتباس الحراري من خلال التحوّل إلى مصادر الطاقة المتجدّدة وزيادة فعالية إستخدام الطاقة واعتماد الأبنية الخضراء وزرع الأشجار وحماية التنوع البيولوجي والإدارة المستدامة للأراضي والمياه والنفايات. وتسهيل الحصول على المعلومات عن الأمراض وآثار التغير المناخي والقيام بالأبحاث من أجل تقييم التغيّرات المناخية وأثرها على الصحّة في الوطن العربي وتقييم قدرة كل بلد على التكيّف.

ووفقًا لتقريرٍ حديث نشرته منظمة " "eurekalertفمن المُتوقَّع أن تؤدي انبعاثات الكربون المسببة للاحتباس الحراري، بحلول عام 2100، إلى درجاتِ حرارةٍ مرتفعة ونسبِ رطوبةٍ تفوق ما قد يحتمله البشر.

إن البيئة من الأرض والمحيطات والغابات والمياه والهواء، هي حجر الزاوية في بناء مستقبل مستدام, لذلك يجب العمل على توثيق علاقة البشر بالبيئة, فبدون بيئة صحية لا نستطيع إنهاء الفقر ولا تحقيق الازدهار. ويقع على عاتقنا جميعا دور يجب أن نؤديه في حماية موطننا الوحيد.