الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

انهيار جدار الخوف


ذهبت إليه ليسمعها وتسمعه كعادتها منذ أن انفصلت عن زوجها بعد رحلة طويلة تقاسما فيها كل اللحظات حلوها ومرها، وإن كانت ذاقت هى المر أكثر وأطول... فى طريقها إليه اشترت الفطور كما عودته وعودها فمن يأتى منهما قبل الآخر يحضر الفطور، ووصلت الى دار اللقاء فى رواق من الكنيسة التى تجمع فى هذه البقعة منها من أعيتهم الحياة ومزقتهم المشاكل ويريدون الحل ويرغبون فى مواصلة الحياة.

فقد تجمعوا على شكل دائرة يترأسها الطبيب النفسى المعالج والذى يستمع لكل مريض وإن كان يرفض تسميته بالمريض فهو يصفه بالحالة ليس إلا.

مضى على حضورها وحضوره وحضورهم جميعا أشهر لا تذكر عددها بالضبط ولكنها تذكر جيدا أنها تتحسن فى كل لقاء عن ذى قبل، وهى على قناعة بأنها أصبحت على وشك الشفاء التام من مرضها من غدر زوجها الذى وهبته كل عمرها ووقفت بجانبه منذ أن تخرجا وكان لا يملك سوى ما يرتديه ولم تتخل عنه بل صبرت وأجلت كل طموحاتها العملية والوظيفية من أجله لكى يعلو ويظهر ويصير نجما.

ولم تدخر وسعا فى إسعاده ولم تطلب منه اى شىء، أمواله كانت له ولأهله، حياته كان يعيشها كيفما يريد، يتنقل من بلد إلى أخرى حسبما يحلو له لم يصطحبها يوما فى أيا من رحلاتها ولم يغدق عليها من ماله عندما أصبح غنيا ولكنها لم تشكو.

 كانت تدخر كل آلامها لنفسها وتحولها إلى أمنيات بأن يتغير ويقدر صنيعها، حتى مجونه وفجوره كانت تفسره على أنه نزوة وحرمان سرعان ما سيهدأ عندما يكبر وينظر حوله فيجدها صابرة مثابرة.

عاشت معه عمرا تعطى وهو يأخذ بلا رد ولا مقابل وعندما اعتلى سلم الشهرة لفظها وأكد لكل من حاولوا الإصلاح أنها صفحة وطواها طيا بل وزاد غيا واتهمها بأنها شوهت صورته أمام ابنائه وقالت عنه ماليس فيه.

كان يريد ان يتخلى عن ماضيه بكل مافيه وهى كانت هذا الماضى الفقير الذى ينفر منه، فما كان منه إلا أن شوهها بما قاله وسعى لأن يعرقل كل جوانب حياتها ..أصبح يصور للكل أنها أرقته وأنه لم يعد يتحمل الحياة معها وصار كل همه أن يظهر نفسه امام المجتمع بأنه مظلوم وأنها ظلمته بنكدها واسلوبها.

كانت كلما تسمع هذه المفردات تتأكد أنها لم تكن تعرفه حق المعرفة وبأنها كانت لابد أن تتخذ قراره هو قبلا منه وعنه، فى مقارنتها بين سلوكه ومحاولتها إعادته إليها صدمتها طريقته واسلوبه ومفرداته واعيتها الحقيقة بانه لا يستحقها.

فى بادئ الأمر ترنحت ولكنها استجمعت قوتها ووقفت مرة أخرى وحاولت أن تستعيد بنيانها ولجأت إلى صديقتها مريم التى وإن كانت على غير دينها إلا أنها كانت رفيقة روحها، ونصحتها مريم بالانضمام إلى مجموعة العلاج النفسى بالكنيسة وامتثلت للنصيحة وقد كان وصارت تواظب على الكورس العلاجى الذى خرجت منه بتجارب أكثر مرارة من تجربتها واستطاعت أن تشفى تماما من مرضها وأقبلت على الحياة وعادت قوية وقلبها يمتلىء طمأنينة وسعادة وكان هو الأرمل الذى اظلمت الدنيا بوفاة زوجته وأضاءت مرة اخرى حينما رآها كما قال لها ومضت بهما قصص وحكايات يستمعون إليها فى كل جلسه يحضرون إليها حتى بعد شفاءهما وكلما جاءت عين أحدهما فى الآخر لم يصدق أنهما عبرا نهر الحزن وهدما جدار الخوف.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط