الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حسابات المصالح الأمنية والاستراتيجية تدفع إسرائيل لتأييد استفتاء انفصال كردستان العراق

صدى البلد

يعد إقليم كردستان العراق أحد ساحات العمل النشطة لعناصر الأمن والمخابرات الإسرائيلية مثلما هو الحال في مناطق الأكراد الأخرى في إيران وسوريا وتركيا، وكانت إسرائيل أول من رحب رسميا باستفتاء الخامس والعشرين من الشهر الجارى الذى يمهد لإعلان دولة كردية مستقلة في شمال العراق وهو الاستفتاء الذى أعلنته المحكمة الدستورية العليا فى العراق إجراء باطلا.

وفي تكتم وهدوء استمر عقودا ظلت إسرائيل تستثمر فى بناء علاقات تعاون قوية مع العناصر الكردية بل وتعتبرهم أحد حلفائها غير العرب في منطقة الشرق الأوسط، وبحسب ما ذكره تقرير لصحيفة الجارديان البريطانية حول المسألة الكردية وتداعياتها أكد التقرير لعب أكراد العراق دورا رئيسيا في إمداد الولايات المتحدة بالمعلومات الاستخبارية عبر إسرائيل وذلك قبيل الاجتياح الأمريكي للعراق في العام 2003.

ويعتبر الجنرال عوزي دايان رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلى ومدير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "آمان" السابق أن إقامة دولة كردستانية من شأنه تطويق اطماع التوسع التركي و الإيراني في المنطقة، وسيحد من قدرة كليهما على تهديد إسرائيل.

وأكد على أن الاستخبارات الاسرائيلية تضع الأكراد ضمن حسابات معادلة المواجهة المخابراتية ضد تركيا وإيران وهي المعادلة التى عادة ما يتم ترجمتها إلى عمليات سرية لا يتم الكشف عنها.

وأشارت مصادر صحفية إسرائيلية إلى أن غالبية الشركات الإسرائيلية العاملة فى كردستان العراق يتولى ضباط متقاعدون في الاستخبارات الإسرائيلية إدارتها تحت إشراف الجنرال دان ياتوم المدير السابق للموساد الإسرائيلي، ومن ثم تعتبر إسرائيل ثلاثين مليون كردى يعيشون في مناطق الجبال الممتدة بين إيران والعراق وسوريا رديفا استراتيجيا لها لمواجهة المشروع الإيراني التركي للتمدد في المنطقة واقتسام مناطق للنفوذ والتأثير على أراضيه.

ومنذ ستينيات القرن الماضى سعت إسرائيل على توثيق علاقاتها الاستخباراتية والاقتصادية والتجارية مع الأكراد باعتبارهم جماعة عرقية تتكون من أقليات منحدرة "إيرانية وسورية وتركية وعراقية"، وبنى الموساد حساباته على إمكانية استخدامهم كمنطقة عازلة ضد الحالة العدائية العربية التى كانت سائدة ضد إسرائيل في ستينيات القرن الماضى، وبحسب الوثائق الاسرائيلية فإنه عند إعلان قيام إسرائيل في مايو من العام 1948 كان من بين سكانها 8000 يهودى من أصول كردية ممن هاجروا إليها وهم الذين وصل عددهم فى الوقت الراهن إلى 200 ألف يهودي كردي وتعتبر تخوم مدينة القدس هى أعلى مناطق تمركزهم في إسرائيل وتعتمد تل أبيب عليهم فى بناء جسور التواصل فى مجالات التجارة والأعمال بينها وكردستان العراق.

وفى هذا السياق كشفت مجلة " إسرائيل كورد" التي تصدر في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق عن اتفاق أبرم بين زعيم الاقليم مسعود برزاني ورئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو تقوم إسرائيل بموجبه بتشجيع انتقال 200 ألف إسرائيلى من أصول كردية فى دخل الإقليم فور إعلان استقلاله عن العراق للاستثمار والعمل في بناء الدولة الوليدة وتثبيت دعائمها.

وفي مارس 1951 نفذت الاستخبارات الاسرائيلية " موساد " عملية اطلقت عليها اسم " عيزرا ونوهيميا " لتهجير 11 ألف كردى عراقى إلى اسرائيل وتم ذلك بتمويل من منظمات صهيونية فى نيويورك، تساهم في النقل الجوى للمهجرين عبر الخطوط الجوية الكوبية إبان حكم ديكتاتور كوبا السابق باتيستا، ويعد عيزرا و نوهيميا من الشخصيات التوراتية التى كانت تنظم جيوش اليهود لغزو بابل.

وكشفت دورية "النيويوركر" الأمريكية عن أن عناصر الجيش والموساد الإسرائيلي يقومون بتدريب عناصر منتقاه من أبناء المناطق الكردية على أعمال "الكوماندوز" و يديرون بعض العمليات السرية الاستخباراتية وهو ما بادرت السفارة الإسرائيلية في واشنطن إلى نفيه، وبرغم النفي نقلت الدورية الأمريكية عن سيميور هيرش الكاتب الصحفي الأمريكي ذو المصداقية العالية - والحائز على جائزة بوليتزر في الصحافة لكشفه انتهاكات بسجن أبوغريب العراقي - قوله إن إسرائيل تسعى إلى بناء قوة عسكرية كردية قادرة على مواجهة شهوة التوسع الإيراني الشيعى في المنطقة وعمل قاعدة للتجسس على النشاط النووي الإيراني.

وأكد هيرش أن مسئولى مخابرات أمريكيين وإسرئيليين وأتراك قد أكدوا له ذلك وأن يكون الأكراد عيونا وآذانا لإسرائيل في العراق وإيران وسوريا، وتتبنى إسرائيل هذا المخطط وفق برجماتية سياسية وأمنية بحته غير عابئة بالمخاوف التركية من دعم أية حركات انفصالية كردية، وذلك على الرغم من اعتبار اسرائيل حزب العمال الكردستاني التركي "بى كى كى" الساعي لانفصال جنوب تركيا منظمة إرهابية وهو نفسه الموقف التركى من هذا الحزب.

ونقلت صحيفة "تايمز أف إسرائيل" عن البروفيسير أوفارا بينجيو رئيس قسم الدراسات الكردية في جامعة تل أبيب تأكيده قيام إسرائيل سرا بتقديم الدعم العسكري والمخابراتي والإنساني إلى إقليم كردستان العراق في الفترة من 1965 وحتى العام 1975 كما قامت الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية "موساد" بترتيب تهجير يهود العراق ممن تعرضوا لقمع نظام حكم صدام حسين البعثى في المدن العراقية إلى إسرائيل من خلال التنسيق مع عناصر كردستانية خلال مطلع سبعينيات القرن الماضى.

وكشفت الصحيفة عن زيارة قام بها الزعيم الكردستانى مصطفى البرزانى لإسرائيل وقيام مسئولين إسرائيليين بزيارة كردستان العراق في عدة مناسبات وهو ما يدل على عدم اعتبار الأكراد عدوا للإسرائيليين وهو ما أورده البروفيسير أوفارا بينجيو في كتابه " أكراد العراق .. بناء دولة داخل دولة " مشيرا إلى أن أكراد العراق ينادون بالديمقراطية ويؤمنون بالاعتدال وقبول الآخر والابتعاد عن اقحام الدين في شئون الحكم والسياسة "وبالتالى فإنهم سيكونون حائط صد مانع ضد الميليشيات الشيعية الموالية للإيرانيين أو العراقيين مثلما كانوا حائط صد فعال فى مواجهة داعش وأنه من ثم ستكون دولة كردستان عاملا ايجابيا فى مواجهة عوامل التطرف فى الإقليم.

ويرى اليعازر سارفير رئيس الاستخبارات الإسرائيلية السابق "1963 – 1975"، أن ثمة خلفيات تاريخية للعلاقات بين الأكراد والشعب اليهودي وهي علاقات تؤسس لتعاون مستقبلي طموح بين دولة كردستان ودولة إسرائيل وكشف عن أن الزعيم الكردستانى مصطفى البرزانى كان له مستشارون عسكريون إسرائيلين بمقر إدارته للإقليم قاموا بتدريب قواته على القتال البري والدفاع الجوي، وفي العام 2004 نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أخبارا عن لقاءات جمعت بين رئيس وزراء إسرائيل السابق إيريل شارون وقادة كردستانيين هما مسعود برزانى وجلال طالبانى.

وفي مايو 2006 قال الزعيم الكردستانى مسعود برزانى إن فتح قنصلية إسرائيلية في أربيل عاصمة كردستان أمر مرحب به وأنه ليس"جريمة" أن تقيم الدولة العراقية علاقات مع إسرائيل، وفي 18 اكتوبر 2015 عينت حكومة كردستان العراق شيرزاد مامسانى وهو يهودى كردى كممثل عن اليهود فى وزارة الاوقاف والشئون الدينية فى الاقليم، ويؤخذ فى الاعتبار فى هذا الصدد أن ما بين 400 إلى 730 عائلة يهودية تعيش فى كردستان العراق فى الوقت الراهن.

وفي سبتمبر 2014 عندما هاجمت داعش شمال العراق بادرت المنظمات غير الحكومية الاغاثية فى إسرائيل بتقديم الدعم العاجل للعناصر الايزيدية والمسيحية فى كردستان العراق، وفى أكتوبر 2014 أعلنت وكالة الغوث الاسرائيلية "إسرائيل ايد" عن تقديم مواد إغاثة إلى اللاجئين الفارين من بطش داعش الى اقليم كردستان العراق حيث تمت اغاثة الف اسرة لاجئة فى منطقة دهوك فى شتاء هذا العام بالتعاون مع وكالات الاغاثة الكندية وحكومة كردستان العراق واستقبل الاكراد اطقم الاغاثة الاسرائيلية هناك بكل الترحاب وهو ما شجع اسرائيل على الاستمرار فى تقديم الاغاثة لسكان دهوك فى كردستان العراق على مدار العام 2015 استفادت منها 3000 عائلة لاجئة فى الاقليم .

ووفقا لصحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية المتخصصة فإن 75 فى المائة من النفط الذى تستورده اسرائيل يأتى من كردستان العراق، كما تتوافر المنتجات الاسرائيلية بغزارة فى اسواق اربيل عاصمة كردستان العراق لذلك تقوم شركات إسرائيلية بتنفيذ مشروعات إسكانية و أخرى للبنية التحتية والمرافق العامة والطرق فى إقليم كردستان، وعليه اعتبرت الصحيفة أنه ليس مستغربا أن يلقى حلم إقامة دولة مستقلة للاكراد فى شمال العراق كل هذا الحماس والدعم السياسى والشعبى والاعلامى والدبلوماسى من اسرائيل.

كما كشفت صحيفة معاريف الإسرائيلية فى عددها الصادر بتاريخ التاسع من مايو 2015 عن تحرك كردستانى مكثف صوب اسرائيل لتأمين دعم اقامة دولة كردية مستقلة فى شمال العراق وهو ما عبر عنه الدكتور نارو زاجروس المستشار السياسى لحكومة اقليم كردستان العراق خلال زيارة قام بها لتل ابيب لتأمين دعم اسرائيلى لمشروع استقلال كردستان العراق و دعم اسرائيل لهذا المشروع دوليا، وفى 30 يونيو 2015 قال المعلق العسكرى الاسرائيلى دافيد بن الون فى تصريحات نشرتها معاريف " أن إقامة دولة كردية على أجزاء من أراضى العراق وسوريا وتركيا سيخلق الحليف الذى تحلم به إسرائيل ويجب أن يكون تحالفنا مع هكذا دولة استراتيجيا".

على الجانب الاخر، يحذر خبراء اسرائيليون من تداعيات اقامة دولة مستقلة للاكراد فى شمال العراق، ويرون أن ذلك سيقود إلى تقارب بين بلدين طالما استفادت اسرائيل من تناقضاتهما وهما تركيا وإيران اللتان ابديتا برغم تباينهما المذهبى استعدادا لاقامة تحالف استراتيجى بينهما لمواجهة الدولة الكردية المستقلة الوليدة فى شمال العراق او اجهاض ولادتها ما أمكن ذلك وهو ما تم التأكيد عليه فى زيارة قام بها رئيس الاركان الايرانى الجنرال محمد حسين باقرى لانقرة، وفى هذه الزيارة تم الاتفاق على افشال مسعى استقلال كردستان عسكريا و مخابراتيا و دبلوماسيا واقتصاديا لما له من انعكاسات على داخل كلا البلدين،حيث يشكل اكراد ايران وتركيا ثلثا مجموع أكراد الشرق الاوسط،فضلا عن ذلك تخشى إيران من إقامة دولة للاكراد فى شمال العراق نظرا لسيطرة اكراد العراق على المناطق الحدودية بين ايران وسوريا وهى المناطق التى تسعى إيران للسيطرة عليها سيطرة مطلقة لجعلها ممرا أرضيا ايرانيا للنفاذ إلى مياه المتوسط عبر أراضى شمال العراق وسوريا ولبنان.

واقتصاديا يقول الخبراء إن الدولة الكردية الوليدة فى شمال العراق ستكون حبيسة حيث ستقوم تركيا بوقف تصدير النفط المصدر من كردستان عبر ميناء جيهان التركى"انبوب جيهان – كركوك"،لمعاقبة أكراد العراق اذا اعلنوا دولتهم المستقلة، كما عبأت وحدات الحشد الشعبى الشيعية الموالية لايران استعدادها القتالى مدعومة بعناصر من الحرس الثورى الايرانى فى مناطق التماس الحدودية بين ايران و كردستان العراق لتطويق الدولة الوليدة اذا كتبت لها الولادة.

ومنذ ثلاثة أعوام أكد نتنياهو امام معهد دراسات الأمن القومى بجامعة تل ابيب تأييد اسرائيل لاقامة دولة كردية مستقلة فى شمال العراق.

تجدر الإشارة إلى أن حكومة كردستان العراق تدير شئون الإقليم منذ العام 2014 بشكل منفصل عن الحكومة المركزية فى بغداد،
ويسعى أكراد شمال العراق إلى تصدير نفط حقول كركوك الوافر بشكل مستقل عن بغداد التى لجأت حكومتها المركزية إلى وقف اعتمادات الانفاق العام على إقليم كردستان، لكن يرى محللون أن الثروة النفطية فى كردستان العراق كفيلة بتحقيق ازدهاز شامل لشعب الدولة الوليدة اذا كتب لها البقاء، لكن البشمركة الكردية تعتبر تشكيلات مكافحة إرهاب وحرب عصابات فى المقام الأول وليست جيشا كثيف التسليح وهنا يعلو التساؤل هل تصمد هذه القوات فى الدفاع عن الدولة الوليدة إذا قررت أنقرة وطهران وبغداد توجيه ضربات عسكرية مخططة لها.

وبحسب المراقبين في تل أبيب سيكون الدعم العسكرى الاسرائيلى لقوات البشمركة الكردية أساسيا فى الحفاظ على حياة الدولة الوليدة من الأخطار وهو الدعم ذاته الذى تسعى إليه حكومة كردستان، وفي هذه الحالة سيكون الدعم الاسرائيلى هو في حقيقته دفاع عن المصالح الإسرائيلية في كردستان حيث تنتعش أنشطة التجار ورجال الأعمال وأصحاب المشروعات الإسرائيليين في أربيل عاصمة الإقليم.

وفي الأسابيع الماضية كان لافتا إبراز الصحافة الاسرائيلية تصريحات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو التي وصف فيها الشعب الكردى بالشجاعة وموالاة الغرب ومشاركته قيمة، كما أبرز الإعلام الإسرائيلي دعوة وزير العدل الإسرائيلى أيلي شاكيد لحكومات العالم الغربى لمباركة إقامة دولة مستقلة فى كردستان العراق باعتباره أمرا مفيدا للمصالح الاسرائيلية العليا.

كما اعتبر وزير العدل الإسرائيلي أن تصاعد التوتر الأمريكى الايرانى وتنامي نفوذ حزب الله وقدراته العسكرية التى وضعت إسرائيل على مرمى حجر منه يجعل فكرة إقامة دولة كردية مستقلة في شمال العراق لها وجاهتمها بل ويضعها فى صدارة اهداف حماية الأمن الاسرائيلى لا سيما بعدما أبلي المقاتلون الأكراد بلاءا حسنا فى التصدى لارهاب داعش الذى كان اختبارا عمليا للعسكرية الكردية يؤهلهم للعب نفس الدور للجم التمدد الايرانى فى المنطقة.