الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حينما أصبح النفاق لغة رسمية


لا أتصور أن إنسانا يدعى الحب والوفاء لشخص ـ مجرد ادعاء ـ ويقوم بطعنه من الخلف بكل الخناجر والأسلحة , ولا أتصور أن إنسانا يأكل مع صديقه فى طبق واحد , ثم يُشغله ليبصق فى الطبق الذى يأكلان منه , ولا أتصور أن النفاق وصل لدرجة أن الصديق ـ أو كما يدعى ـ يحاول قتل صديقه ماديا ومعنويا , ولا أتصور أن هذا العالم الذى نعيش فيه يمتلئ بالنفاق الى حد يجعلك حينما تدقق لن ترى غيره , فالعالم الذى نعيش فيه الآم أصبح مكتظا بالنفاق والكراهية والحقد والضغينة والتشويه والابتسامة الصفراء والليالى الحمراء والبغاء بمفرداته , والغيم المستمر الذى جعل كل الأيام والليالى شتاء , باردة ببرود من يدعى الأخلاق والمبادى والفضيلة والحب والقيم النبيلة , برغم أن لغته الرسميه التى يعيش بها بين الناس هى النفاق .

سبب هذا المقال الذى أكتبه وأضعه أمام القارئ اليوم أن هناك أشخاصا قد نحيا معهم حياة كاملة , وهم أول الناس الذين لا يريدون لك أى خير ولا يردون لك أن تحيا من الأساس .. وبالرغم أن هذه الشخصيات تحاول الكف عن البوح ما بداخلها من نفاق , إلا أن هذه الشخصيات لا تستطيع التوقف لأن الطبع يغلب التطبع , فهى شخصيات محملة بمضامين أيديولوجية لها مكوناتها وأصولها وفروعها التى دائما ما تخلق حالة جدلية ليس لها أى معنى , لأنهم مبدعون فى الأساس بعبقرية النفاق الذى تفردوا بصفاته وواقعه .

المنافق فى هذا العصر إذا تعمقت فى تحليل شخصيته ستجدها شخصية تحاول أن تجعل من صاحبها هو البطل والمحور الأساسى لأى شىء ولو بالكذب والتدليس , بل يحاول أن يوظف العوامل المساعدة المحيطة لكى يتقن ويتفنن ويبدع فى نفاقه , الذى يجعل منه ملحمة بل ملاحم لا تخلو من الحكايات الخرافية من أجل أن يصنع نفسه بطل يتغنى الناس ببطولاته وعبقريته , ولكن سرعان ما يكتشف أن البطولة زائفة , وهو بطل من ورق , لا تتعدى بطولاته قصصا تمثيلية بمشاهد متقنة.

كما أن المنافق من وجهة نظرى شخصية تحاول أن تجعل من نفسها شخصية أساسية بعيدا عن الشخصيات الثانوية , ويعطى لنفسه دور ثم ما يلبث أن يخرج بدور جديد قبل أن ينتهى من دوره الأول لدرجة أن تقييم المشاهدين والمتابعين دوما لا يأتى فى صالحه , حتى ولو مرة واحدة لأنه حينما كذب ومثل وأخرج نسى أنه كان فى دور تمثيلى لا يرتبط بالحياة الواقعية التى يعيشها معنا فى هذا العالم المتناقض.

ولا أخفى عليكم سرا أن المنافق مبدع فى صنع الحبكة الدرامية أثناء حديثه فهو روائى حكاء من الدرجة الأولى وإن كان بعضهم لا يمتلك هذه الموهبة , كما أن شخصية المنافق الذى تحدث عنها النبى صلى الله عليه وسلم وبين علاماته بداية من الكذب , وخلف الوعد , والخيانة التى تسرى فى جسده مجرى الدم , تبين أننا نعيش مع كثير من هؤلاء الذين يحملون الوباء .

ياسادة .. إن النفاق عنوان لشخصية كثير من البشر الذين يريدون البقاء ولكن بموت الأخرين , ويريدون السعادة بشقاء الأخرين , ويريدون السلام بإيقاع آخرين فى الحرب , ويريدون الصورة النقية بتشويه صورة الأخرين , ولكن هى طبيعة الحياة فلا خير بدون شر ولا جمال بدون قبح , لأن التضاد يُظهر الأشياء فالجميل يُحكم على جماله بقبح من حوله , فجملوا أنفسكم بحسن خلقكم , وأحيوا فى زمن البراءة واقتلوا آفة النفاق قبل أن تنبت وتنتشر وتتوغل , بعدها سيندم من يحملها فى قلبه وشريانه ولن يضر إلا نفسه .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط