الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لعنة الكرد وثورات ما يسمى «الربيع العربي»


انطلقت ما تسمى ثورات "الربيع العربي" في المنطقة تحت مسمى جلب الحرية والكرامة لشعوب المنطقة التي عانت ولا تزال من النظم الاستبدادية والشوفينية على مر عقود من الزمن، لكن سرعان ما تحول هذا الربيع إلى شتاء أكثر قسوة واجتاحته الربح الصرصر والبرد القارس لأسباب كثيرة، بالرغم من أن هذه الثورات تم التخطيط لها من قبل مطابخ الاستخبارات الدولية من أجل تفتيت المنطقة أكثر مما هي عليه الآن، إلا أن ما كانت تعانيه شعوب المنطقة من حالات ظلم وجور كانت الحاضنة لهكذا مشاريع غربية ووقعت هذه الشعوب في فخ الأجندات الإقليمية ومستنقع مصالح القوى الرأسمالية الناهبة لكدح وثورات الشعوب.

ارتهان المعارضات التي ظهرت من أجل تغيير الواقع نحو الأفضل إلى القوى الإقليمية والدولية هو السبب الرئيس في تحطيم آمال الشعوب لنيل كرامتها وحريتها، فها هي ليبيا واليمن والعراق وسوريا تحولت إلى بلدان مدمرة وشعوب مهجرة تبحث عن مكان تعيش فيه ما تبقى من عمرها المتبقي بلا أحلام ولا آمال.

مثال سوريا توضح بما لا يقبل الشك أن الاجتماعات التي كانت تتم في الأستانة لم تكن سوى للقضاء على "الثورة السورية"، التي انطلقت من أجل الكرامة والحرية في بدايتها، إلا أنها سرعان ما تحولت من ثورة للبحث عن الكرامة إلى حالة لجمع الثروة وبيع ما تبقى من كرامة بالنسبة للشعب السوري بكل أطيافه، هذه المعارضة التي ومنذ اليوم الأول ارتهنت للأجندات الإقليمية والدولية وباعت الثورة من أجل تنفيذ ما يتم توجيهه لهم.

تركيا التي تدخلت منذ اليوم الأول بالثورة السورية، وكان هدفها هو تفتيت سوريا الوطن والشعب وإلحاق ما تستطيع من الجغرافيا بتركيا، ها هي اليوم باعت الثورة والثوار جميعهم من أجل مصالحها هي، والتي تقتضي القضاء على أي حلم يسعى الكرد على تحقيقه أينما كان، راهنت تركيا منذ البداية على العامل الكردي بتحويله إلى وقود وضحية في الصراع السوري، وذلك بالاعتماد على بعض التيارات والأشخاص الكردية وكانت تدعمهم ولا تزال، إلا أن جميع محاولاتها باءت بالفشل نتيجة ظهور التيار الذي اعتمد النهج الثالث الذي رفض العقلية التي كانت تمثلها المعارضة، وكذلك النظام لأنهما يمتلكان نفس العقلية السلطوية التي لا تفكر إلا بنفسها وليذهب الشعب إلى الجحيم.

عملت تركيا على تسليم حلب للنظام مقابل تدخلها في جرابلس والباب لقطع الطريق أمام الكرد في إيصال الكانتونات الكردية مع بعضها البعض، وها هي تركيا ثانية تبيع ما تبقى مما يسمى معارضة في إدلب للنظام بشكل غير مباشر أو لروسيا وإيران مباشرة مقابل دخول قواتها إلى إدلب من ناحية "دارة عزة" وهي المنطقة التي تفصل الكرد عن ريف إدلب، وبهذا تعتقد تركيا أنها قطعت الطريق أمام الكرد للوصول إلى المنفذ البحري.

أما بالنسبة للكرد، فإن ثورتهم لن تنتهي هنا وهم مستمرون فيها ولن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذه التطورات غير الثابتة وغير المستقرة، لأن التوازنات الإقليمية والدولية متغيرة وأنه ما كان اليوم لن يكون موجودا بالضرورة غدًا.

الهاجس الكردي بات يقض مضاجع الدول التي تستعمر الجغرافيا الكردستانية في تركيا والعراق وسوريا وإيران، وأن هذه الدول تعمل كل ما في وسعها تتحالف وتتفق فيما بينها فقط من أجل مجابهة الحلم الذي يراود الكرد في العيش بكرامة ضمن مناطقهم. لعنة الحدود السياسية والسيادة الوطنية ستبقى مسلطة على رقاب الدول القوموية الشوفينية إن هي استمرت في عدم اعترافها بحقوق الشعوب التي تستعمرها.

لعنة الكرد ستلاحق النظم الاستبدادية إن هي لم تعترف بحقوق الكرد في الحياة الكريمة وحريتهم بعيدًا عن مصطلح الدول القومية، فلتبقى الحدود على ما هي عليه دون المساس بها، ولكن على هذه الدول أن تمنح الكرد حقوقهم السياسية والاجتماعية والثقافية وليسيَروا شئونهم بأنفسهم بعيدًا عن الإملاءات والعقلية الإقصائية التي لم تجلب لهذه الدول سوى المزيد من التبعية للغرب وعدم الاستقرار.

تحول الكرد من عامل ضعف وتفتيت للدول إلى رقم صعب في حماية وصون وتطور الدول يتوقف على تغيير الخطاب السياسي من قِبل الطرفين، وكذلك في تغيير العقلية الدولتية الشوفينية، وأن الأمم تقوم على احترام بعضها البعض وليس على أساس الدرجات هذا شعب من درجة أولى وذاك من درجة ثانية.

نعيش الآن في القرن الحادي والعشروين وهو عصر يتم فيه تجاوز الحدود المصطنعة لحساب تقدم وتلاحم الشعوب مع بعضها البعض على أساس أخوة الشعوب والأمم الديمقراطية البعيدة عن التعصب القومويوالدينوي.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط