الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مؤتمر دار الإفتاء وعلاج فوضى الفتاوى


ونحن نستقبل المؤتمر العالمي الثاني الذي تعقده الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم لابد أن ندرك وبوضوح أن الفتوى أصبحت تلعب دورا مهما في حياة الشعوب والأفراد، المسلمين منهم وغير المسلمين، فالمسلمون لا يعيشون في هذا العالم وحدهم.

وحركة التفاعل والتواصل والتناغم بين الشعوب والحضارات دائمة لا تنقطع ولا تفصلها قيود ولا تحدها حدود بما في ذلك الدين نفسه، خاصة بعد أن غزت وسائل الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي حياة الناس وألغت المسافات والفروق بينهم، ومن ثم فيجب على الشعوب والحكومات مهما اختلفت الأجناس والألوان والأديان والثقافات أن يعملوا دائما على إيجاد صيغ ووسائل للتعايش السلمي الذي يحافظ على استقرار العالم وأمنه ، وإذا كان المسلمين عامة ينطلقون في تصرفاتهم وحياتهم العملية من قاعدة اتباع الحكم الشرعي.

وذلك عن طريق سؤال أهل العلم والدين عن حكم الله عز وجل في قضاياهم المختلفة، لذا ينبغي أن يحصل المسلم على ما نستطيع أن نصطلح عليه بالفتاوى الآمنة غير الملغمة ولا المسيسة والتي من الممكن حقا أن تحول حياة الأفراد والمجتمعات إلى جحيم، حيث لاحظنا في الآونة الأخيرة انتشار دعاة التكفير والعنف عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغرف الدردشة والحوار ومواقع الانترنت،

فيعملون على بث أفكارهم وعلى استقطاب الشباب من كافة الدول للدفع بهم في أتون الإرهاب الفكري والمسلح، لم يعد مستغربا إذن أن نجد شبابا من كل الدول بما فيها الدول الأوروبية وأمريكا يشاركون ضمن صفوف الإرهابيين في أحداث العنف في كل مكان من العالم بما في ذلك انجلترا وفرنسا وكثير من دول العالم، وقد تشتد الخطورة كثيرا بأن تكون المعلومات الأولية التي تقدم عن الإسلام لهؤلاء الشباب مصدرها الأول وبما الأخير دعاة الإرهاب والعنف وفتاواهم وتلبيسهم الذي قد ينطلي على من لا يعرف حقيقة هذا الدين السمح، وعلى صعيد آخر فقد أوجدت فتاوى التكفير والاستحلال حالة من العداء والحنق والضيق تجاه كل ما هو إسلامي وللأسف الشديد قد تلعب الميديا المغرضة دورا خطيرا في الترويج لفكرة أن هذه هي أفكار المسلمين النابعة من القرآن والسنة المطهرة.

أدى هذا إلى تشويش وتشويه الصورة الذهنية عن الإسلام في كثير من المجتمعات الغربية نتيجة فتاوى التكفير والاستحلال ونتيجة اختطاف التطرف لعقول وأعمار أبنائهم، أضف إلى ذلك ما يشعر به المسلم العادي الوسطي الذي يعيش كأقلية دينية في الغرب من حالة قلق وتوتر دائم وحالة دفاع عن النفس والدين بلا ذنب ولا جريرة مما يؤثر على استقرار وأمن الأقليات المسلمة في العالم، من هنا كانت فكرة هذا المؤتمر وهي دور الفتوى في استقرار المجتمعات.

ويستضيف المؤتمر علماء متخصصين في هذا الشأن من أكثر من خمسين دولة، والغرض من هذا الاجتماع إيجاد أنسب الحلول والوسائل التي تساعد على التصدي لفوضى الفتوى وما أحدثته من ضرر بالغ على مستوى العالم، ومن الضروري جدا أن ترتقي أعمال هذا المؤتمر لتصب في قنوات وجهات عديدة خارج المؤتمر في كافة الدول من أهمها مجال التشريع القانوني حيث لم نجد قانونا واحدا على مستوى العالم الإسلامي فضلا عن الغربي يجرم الفتوى في الدين من غير المتخصصين؛ وآن الآوان لمثل هذه الخطوة، مع شدة ارتباط العنف بفوضى الفتاوى.

أيضا من المهم جدا أن نبحث كيف نضع مناهج معتمدة وموحدة تدرس من خلالها مادة الإفتاء وصناعة الفتوى والمراحل التي تمر بها في معاهدنا الدينية بشكل متخصص مغاير لمناهج الفقه الثابتة حيث تتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان، ومن المهم أن نبحث أيضا كيف ننشر ثقافة الفتوى بطريقة صحيحة.

كيف يتعلم الناس طرق أبواب أهل التخصص دون غيرهم، وكيف لا يتخذ الناس من شاشات التلفاز أو مواقع التواصل غير الموثوق بها مصدرا للفتوى، هذا وسوف تعقد جلسات وورش عمل يجتمع فيها السادة العلماء من أنحاء العالم لبحث هذه المقترحات وغيرها، ومن المنتظر أن تتبادل الأفكار والخبرات والرؤى للخروج بنتائج تصلح أن تترجم في حياتنا الاجتماعية إلى واقع ملموس، حيث لم يعد ممكنا أن تسمر صناعة الفتوى صناعة كل فارغ،

وعندنا تلك المؤسسات الدينية العريقة كدار الإفتاء المصرية، التي تعمل وفق آليات وطرق بحث علمية دقيقة من شأنها أن توقف المسلم على الحكم الصحيح الميسر المناسب للواقع بحيث لا يقع المجتمع في حيرة ولا إرباك، إن الفتوى إذا صدرت من غير المتخصص فإنها تكون بمثابة إجراء عملية جراحية دقيقة يقوم بها أي صاحب مهنة إلا الطب.

وقديما قالوا طب الأديان يحذو حذو طب الأبدان، إن الجهود التي تبذلها الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم ومنها مؤتمر هذا العام عن قضية الفتوى وأثرها في استقرار المجتمعات ينتظر العالم نتائجها وثمارها واقعا ملموسا حتى نستنقذ إسلامنا بل وبشريتنا من براثن العنف والإرهاب الذي خيم على العالم وأحرج المسلمين، وهذه أيضا وظيفة السادة العلماء الذي تظلهم مظلة الأمانة العامة وهذا المؤتمر، نرجو لهم التوفيق وأن تكون فعاليات وتوصيات ونتائج المؤتمر على مستوى ما ينتظره العالم منهم.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط