الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نائب رئيس جامعة أمستردام يرد على فتوى تحريم الإقامة في الغرب

صدى البلد

قال الدكتور مرزوق أولاد عبد الله، أستاذ التعليم العالي بالجامعة الحرة بأمستردام هولندا، وعضو المجلس العلمي المغربي بأوروبا، وخطيب مسجد أمستردام الكبير، إنه ورد حديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أنا بريء من كل مسلم مقيم بين أظهر المشركين. قالوا: يا رسول الله لم؟ قال: لا تراءى نارهما».

وأوضح «مرزوق» في حواره لـ«صدى البلد»، أن الحديث يدل ظاهره على عدم جواز إقامة المسلم في ديار الكفر، وبعد الرجوع إلى سبب ورود الحديث يتبين أن معنى الحديث ليس كما يفهم من ظاهره، كما جاء في سنن الترمذي: عن جرير بن عبد الله: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى خثعم فاعتصم ناس بالسجود فأسرع فيهم القتل، فبلغ ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين. قالوا: يا رسول الله ولم؟ قال: لا تراءى نارهما». (سنن أبي داود).

وبيّن أنه يلزم المسلم ويجب عليه أن يتباعد منزله عن منزل المشرك، ولا ينزل بالموضع الذي إذا أوقدت فيه ناره تلوح وتظهر للمشرك إذا أوقدها في منزله، ولكنه ينزل مع المسلمين، وهو حث على الهجرة.

ووتابع: بهذا يكون معنى الحديث من خلال سبب الورود «أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين» أي: بريء من دمه إذا قتل؛ لأنه عرض نفسه للهلاك بإقامته بين المحاربين، ومعنى هذا: إذا تغيرت الظروف والأحوال التي قيل فيها النص، وانتفت العلة الملحوظة من ورائه مصلحة تستجلب ومفسدة تدرأ، فالمفهوم أن ينتفي الحكم الذي ثبت فيه النص؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما. 

وأفاد بأنه بناء على هذا التصور: لا يمكن اليوم تنزيل هذا النص على الواقع الذي تغيرت فيه الظروف والأحوال عن السابق، فإن أكثر البلدان الأجنبية هاجر إليها المسلمون واستوطنوا فيها وأصبحوا مواطنين لهم حقوق بنص الدستور، وواجبات بحسب المعاهدات الدولية والاتفاقات المبرمة في ذلك،كما أن وجود المسلمين في تلك البلدان تجب لهمة مصالح جمة.

وأردف: غير أنه يجب التذكير أن أي جماعة مسلمة في بلد من البلدان تمتلك القدرة على حماية نفسها ومالها فإنه يحرم عليها الخروج منه، ويجب البقاء فيه، يقول صاحب نهاية المحتاج: "من قدر على الامتناع والاعتزال في دار الكفر ولم يرج نصرة المسلمين بالهجرة كان مقدمه واجبا؛ لأن محله الإسلام، فلو هاجر لصار دار حرب، ثم إن قدر على قتالهم وإلا فلا". 

ورأى أنه انطلاقا من قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»(الحجرات: 13). فإن الطبيعة البشرية تقتضي الاختلاط بين الناس جميعا مع اختلاف ألسنتهم ومعتقداتهم، ولهذا كان من الطبيعي أن يختلط المسلمون بغيرهم ويتعاملوا معهم، بل ويجب أن يختلطوا بهم لدعوتهم إلى الإسلام، وبيان محاسنه وإنسانيته، ومن أشكال التعامل والتعاون في هذا السياق -السكنى في بلاد غير المسلمين، والعمل مع حكومتهم، والاستعانة بهم، ومساعدتهم، والتحاور معهم، حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبايع في بداية وجوده في المدينة على الهجرة، قبل أن يتم نسخ هذا الحكم بقوله بعد فتح مكة: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، فإذا استنفرتم فانفروا». 

واستطرد: يقول بعض العلماء: إن حكم الإقامة في بلاد غير المسلمين ينقسم إلى ثلاثة أصناف: الأول محظورة على من يخشى الفتنة على دينه، والثاني مأذون به لمن لا يخشى الفتنة وتحقق له هذه الإقامة مصلحة مشروطة، والثالث واجبة على القادرين على الدعوة إلى الإسلام وتعليمه بشرط أن يقوموا بهذا الواجب.

ووذكر أنه علل جل من حرم الإقامة في بلاد غير المسلمين بجملة الأسباب الآتية: عدم قدرة المسلم على إقامة شعائره الدينية بأمان، وخشية الفتنة على الدين والأهل، وعدم القدرة على إظهار دينه مخافة الاضطهاد، أو شعوره بالخطر على عقيدته وأخلاقه، أو عدم القدرة على حماية الدين أو النفس أو المال.

وعرض رأيه في ذلك الفتوى، قائلًا إن الواقع في ديار الغرب أن كل هذه الأسباب التي علل بها عدد من الفقهاء تحريم الإقامة في بلاد الكفر -منعدمة لسبب بسيط، وهو أن المسلم أصبح مواطنا أوروبيا يحمل جنسية الدولة ويعامل مثله مثل باقي المواطنين حسب القانون والدستور، بمعنى أنه يملك جميع الحقوق التي تضمن له أن يمارس شعائره الدينية وأن يطمئن على أمن نفسه وماله ودينه وعرضه، فكل هذه الضروريات الخمسة مكفولة بقوة القانون ولا يسع أحدا وليس من حقه أن يخالفها؛ لأنها مضمونة بالدستور والقانون وبالتالي سقط الاستدلال بهذه الأسباب التي أقيم أو بني عليها تحريم إقامة المسلمين في الديار الغربية، بل يجب القول بأن المسلمين أصبحوا مواطنين كاملي المواطنة مثلهم مثل غيرهم من الأقليات الأخرى أو من المواطنين الأصليين لا فرق بينهم.