الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حينما سمح المجتمع باغتصاب الإنسان في الشارع


مصر تعتبر من أقدم المجتمعات البشرية التى عرفها التاريخ من حيث النشأة والإستمرارية والحضارة المقترنة بأساليب الحياة , لدرجة أن التاريخ المصرى القديم أكد على دور المرأة فى المجتمع بل أكدت المخطوطات واللوحات الجدارية القديمة أن دور المرأة فى المجتمع كان أهم بكثير فى أوقات عديدة من دور الرجل , والمرأة المصرية هى أول ملكة فى تاريخ البشر , وهى التى تقلدت الحكم فى دولة المماليك , وهى الفلاحة التى تسمى "ست الدار" و"ست الكل" و"أم السعد" وهى بهية التى تعتبر نموذجا متفردا للنبوغ الإنسانى.

والمرأة فى بلادنا العربية ومصر بالتحديد رمز للحب والوفاء والإنتماء والجمال , لذلك إذا تعمقت فى دراسة التاريخ القديم ستجد أن الآثار المصرية القديمة لم تخل من صورة المرأة التى تعبر فيها عن كل حالاتها وهيئاتها , ولذلك إحترمها المجتمع وصارات رمزا إذا جرؤ أحد على إهانته أو الإقتراب منه بسوء , ينتفض المجتمع ليعيد هيبته ويعيد رامته فالمرأة فى بلادنا رمز للكرامة والكبرياء , فإذا إستقامت إستقام المجتمع كله وإذا إنكسرت إنكسر المجتمع كله.

وما أزعجنى بشدة واقلقنى ونغص على حياتى وعلى الكثيرين الدعوة التى خرجت من أحد المحامين للتحرش وإغتصاب المرأة فى بلادنا بدعوى أنها واجب وطنى فى حال إرتدائها ملابس ملفتة للنظر ,كما ان هناك دعوات كثيرة سبقت هذه الدعوى للتحريض على الفجور وإستباحة عرض المجتمع بدعوى الإلتزام , وكان أهم أشكال التحريض ضد المرأة مطالبتها بالعودة الى مزلها وعدم الخروج منه إلا جثة هامدة على أعناق الرجال الى مدفنها , وكأنها خلقت للغواية والفراش فقط، وقد يتم صياغة هذه الدعوات بشكل متقن، ليختزل دور المرأة فى إشباع غرائز الرجال , وهنا تبدأ الإتهامات فى الظهور ليوجه كل طرف الإتهام الى الطرف الآخر ويصبح الرجل والمرأة فى بلادنا ضحية وجانيا فى آن واحد.

وما أغضبنى بشدة أن المجتمع صار ساحة للصراعات غير المبررة وخاصة ما بين القطبين الأساسيين فيه , فالبلاد المتقدمه لا تجد فيها هذه الصراعات لأن كل شخص يلزم نفسه قبل أن يٌلزم الآخرين , حينها تنجح العلاقة الإنسانية بين الرجل والمرأة التى نظمتها الأديان وباركها المجتمع.

وإن الدعوات الشاذة التى تتناثر بين الحين والآخر تفاجئ المجتمع وتربكه .. مثل هذه الدعوات تشير الى مؤشرات خطيرة لابد من التوقف أمامها وطرح تساؤلات عدة , أهم هذه التساؤلات , لماذا باتت فئة ليست بالقليلة فى المجتمع تعامل المرأة على أنها أداة للغواية وانها تمثل الشيطان على الأرض ؟ , ولماذا يصر هؤلاء المدعون على أن الرجل هو كائن يبحث عن تغذية غرائزه وإشباع متعته بأى طريقة حتى لو على حساب المرأة وإغتصاب حقوقها ؟ , وهل فقدنا إنسانيتنا حينما ضيعنا قيم الود والرحمة والتسامح بين الطرفين " الرجل والمرأة " ؟, وهل أصبح كل طرف يتربص فى محاولة منه لإقصاء الآخر عن حياته وإعلان تمرده على الطبيعة ؟!!.

نحن فى معركة بناء , والبناء يستدعى وجود طرفى المجتمع كتفا بكتف يؤازر كل منهما الآخر لنتحمل جميعا بناء وإستمرار هذا المجتمع , ولكن فى ظل هذه البلبلة التى تحدثها مثل هذه الدعوات الشاذة , كيف لنا أن نتمم هذا البناء وأن يستقيم ؟!! ... ولابد أن نعى أن الدول فى معارك بنائها عبر تاريخها ادركت ان اساس نهضتها هى تماسك مجتمعها بطرفيه , ونحن أمة نريد أن تنهض وكيف تنهض أمة وأبناؤها لا يدركون مسئوليتهم الحقيقية ودورهم فى المجتمع ؟!! , لدرجة أن الإغتصاب بركنيه المادى والمعنوى والذى يعتبر أبشع فعل أصبح مستباحا برأى فئة من المدعين ورجال القانون.

هذه الدعوات التى خرجت مؤخرا على لسان رجل قانون وهو متيقن أن ضميره مستريح وأن هذا سيكون فعلا طبيعيا عليه أن يعتذر للشعب المصرى كله وعليه أن يصمت ولا يتحدث فى أى أمور أخرى وخاصة بعدما ثبت أن ليس لديه القدرة فى التعبير عن آرائه ... وتناسى ما كان يتردد على أسماعنا حتى وقت قريب كلام مثل " دى بنت حتتى , لازم أحافظ عليها " , ذلك لأن الشهامة صفة أصيلة فى الرجل المصرى الذى يحافظ على عرضه وكرامته , فكان يجب على رجل القانون مطالبة الشباب بستر عورات النساء بدلا من مطالبة الشباب بإغتصاب المجتمع كله , لأن الإعتداء على فتاة واحدة بمثابة إعتداء على المجتمع كله.

يا سادة ... علينا أن ننتبه , أن مثل هذه الدعوات بدعوى حرية الرأى تارة وبدعوى تحرير المجتمع تارة أخرى إنما هى دعوات مغرضة تريد أن تنال من تماسك المجتمع وتنال من وحدته وعلينا جميعا ان نعمل عقولنا وضمائرنا عند تداول مثل هذه الآراء حتى لا ندفع الثمن غاليا فى المستقبل .. فإغتصاب الانسان هو إغتصاب الوطن ولا أحد يرضى بذلك.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط