الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. إيمان صبح تكتب: موضة فيتامين د

صدى البلد

منذ وقت قليل انتشرت الأبحاث عن نقص فيتامين د، وما يسببه من أمراض، وأوضحت الأسباب أن نقص فيتامين د يدخل تقريبا فى معظم الأمراض التى نعرفها، إن لم تكن كلها، وهنا ظهرت المواد التى تقيس نسبة فيتامين د فى الدم وسعرها فى متناول الجميع تقريبا العينة 750 جنيها وطبعا ارتفع سعر أى فيتامين د، الذى كان يسكن عمره كله على رفوف الصيدليات.

وكانت الأم التى يخبرها الطبيب أن ابنها لديه نقص فيتامين د يصيبها الهلع، والجميل أن الهلع أصاب كل السيدات باعتبارهن أكثر فئة معرضة لهشاشة العظام وضعفها، فأصبحن المستهلك الوحيد لهذا الفحص، ولهذا الدواء والراعى الرسمى للإعلان عنه والترويج له، هل يا ترى كل العالم عنده نقص فيتامين د ويحتاج تناول أدوية تحتوى عليه؟

لنبدأ الحكاية من البداية.. ما هو فيتامين د؟
فيتامين د أحد الفيتامينات الهامة التى تذوب فى الدهون، وهو فريد من نوعه، لأنه يمكن الحصول عليه من الأطعمة وكذلك يقوم الجسم بتصنيعه من الكوليستيرول عند التعرض لأشعة الشمس "الأشعة فوق البنفسجية"، ولذا يسمى بـ"فيتامين أشعة الشمس" أو "فيتامين الشمس" ويوجد فيتامين د فى الأسماك (السلمون – السردين – التونة) – زيت كبد الحوت - الكبدة - البيض.

ويرتبط فيتامين د بصحة العظام كونه يساعد الجسم لاستخدام الكالسيوم الموجود فى الأغذية التى نتناولها، وقد كان حتى عصر قريب من النادر أن يحدث نقص فيتامين د، والذى كان يؤدى بدوره الى ظهور مرض "الكساح " أو "لين العظام".

ما الجديد؟
منذ بضعة سنوات أجريت عدة أبحاث أثبتت نتائجها ارتباط نقص فيتامين د بعدد من الأمراض مثل السرطان – التصلب المتعدد – الربو الشعبى – أمراض المناعة – ارتفاع ضغط الدم وغيرها، وقد أوضحت نتائج هذه الدراسات أن الأشخاص المصابون بنقص فيتامين د لديهم درجات أكثر شدة من المرض أو يعانون من ضعف الاستجابة للعلاج ويحتاجون جرعات أعلى، وقد تبنت هذه الأبحاث فكرة أنه لو أضيف فيتامين د إلى خطة العلاج بالنسبة لهذه الفئة قد يؤدى إلى تحسين استجابتهم للعلاج وبالتالى تقليل جرعات الأدوية التى لها آثار جانبية مثل الكورتيزون فسوف يحقق فائدة عظمى للكل.

انطلق فيض آخر من الأبحاث لمعرفة تأثير إضافة فيتامين د إلى علاج هؤلاء المرضى وأظهرت بعض النتائج تأثيرا رائعا، فى حين أظهر البعض الآخر عدم جدوى هذه الإضافة ومازالت البحاث جارية.

وبالرغم من هذا التضارب فى النتائج نجد كما هائلا من الترويج والإعلان الذى أوجد بيئة خصبة لشركات الكيماويات المعملية وأصحاب المعامل، وصارت تكلفة العينة ما يعادل مرتب شهر، فى حين أنه المفروض كلما زاد الطلب على أى فحص معملى كلما قلت تكلفته وانخفض سعره، وهنا أيضا زاد الطلب على منتجات فيتامين د وارتفع ثمنها.

الجميل فى الأمر أن السيدات يقمن بدور متميز فى الترويج والإعلان لقياس نسبة فيتامين د وتناول الأدوية التى تحتوى على هذا الفيتامين، وصار مثل الفنكوش تجده فى أى وصفة لأى شكوى وأى عرض، وصار استخدام جرعات عالية من فيتامين د الدوائى يكتب ويوصف من أيا كان، دون اعتبار لكونه دواء يجب أن تؤخذ الاحتياطات لتناوله وزيادة الجرعة قد يؤدى إلى التسمم أيضا.

تعتبر الشمس هى المصدر الآمن والفعال للحصول على فيتامين د، ولا يحتاج الفرد إلى التعرض بصورة كبيرة لأشعة الشمس ولكن يكفيه دقائق قليلة لكى يحفز الجلد لتصنيع الكمية اللازمة لاحتياج الجسم، وفى بعض الأحوال مثل كبار السن تقل قدرة الجلد على تصنيع الكمية اللازمة، وهنا قد تستلزم الحالة تناول البديل الدوائى، ولذا تلجأ الدول التى تغيب عنها الشمس كثيرا بتدعيم الألبان والعصائر وبعض الأغذية بإضافة فيتامين د إليها لتعويض غياب الشمس.

الغرض من المقال ليس التقليل من أهمية نقص فيتامين د، ولكن لتوضيح الأمر والتأكيد على أن الفيتامينات هى نوع من الأدوية لا يجب إساءة استخدامها.

سؤال أخير إذا وجد فعلا هذا العدد الهائل من المصابين ما السبب؟
ارجعوا إلى جدول أعمالكم كم دقيقة تقضونها تحت شمس فيتامين د، وكم ساعة مع السوشيال ميديا وداخل المبانى خلف الستائر، واستخدام واقيات الشمس بصورة كبيرة والبعد عن أشعة الشمس تماما، وكذلك عدم تناول الأسماك كلها أسباب تؤدى إلى نقص فيتامين د.

رحم الله جدتى كانت عند كل زيارة توقظنا قبل السابعة بحجة أننا صرنا ظهرا وانتصف النهار، وكنا نتفنن فى جعلها تسهر معنا كى لا تستيقظ مبكرا، وكانت ساعتها البيولوجية تأبى التغيير وتصمم على الجلوس فى الشمس نصف ساعة يوميا فى الصباح الباكر.

لا يعقل أن يرزقنا الله بهذه الشمس الرائعة ونبتلى أنفسنا بنقص فيتامين د ونظل نشكو ونتألم.