الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عن إرهابي الواحات أتحدث


عندما كنت جالسة مع الدكتور المشرف على رسالتي للدكتوراه في العلوم السياسية، عبرت له عن رغبتي في مقابلة إرهابي لأخذ معلومات حية وليس فقط الاعتماد على مراجع، فرد الدكتور وقال إنه كان في المخابرات وطلب أن يقابل أحد الارهابيين الخطرين، وعندما قابله كان الإرهابي على درجة من الثبات، فسأله الدكتور من المؤمن من وجهة نظرك فقال الإرهابي: "أربعة في الكون فقط، هم الرسول صلي الله وعليه وسلم، وأبو بكر الصديق، وأنا، وصاحبي".

الفكرة هنا أن حوار إرهابي الواحات الذي تمت استضافته على قناة "الحياة" قد استنكره البعض، خاصة أن كثيرا من الناس اندهشت وتفاجأت من ثباته وطريقة رده، ولكن ما أطلبه أن لا أحد ينزعج أو يتفاجأ من طريقة الإرهابي في الحوار لأن ببساطة عملية غسل الأدمغة والتعبئة الدينية المنقحة التي تعلمها قد عودته على أن يكون بالشكل الذي رآه الناس.
 
أما من يفهم طريقتهم ودرس عقليتهم فلم يتفاجأ من هذا الفعل، وذلك لأن الإرهابي لديه عقيدة دينية قوية تقوم على تأويل بعض الآيات القرآنية يتم تصريفها وفقًا لما يحقق مصالح قادة التنظيمات الإرهابية والتي توجهه إلى السمع والطاعة لهذه التأويلات دون فهمها لأنه من وجهة نظره يعتبر أقل علمًا من أن يسأل مفتيا أكبر بكثير في يده القوة والمادة، وبالتالي يخضع بشكل كلي لأي أوامر لأنها من وجهة نظره هي أساس شرعي سيؤدي به إلى الجنة، كذلك يكون عنده يقين تام أن عمليات القتل التي يقوم بها ما هي إلا لنصرة دين الله وليست لها علاقة بالإجرام، والموت بالنسبة له شيء ليس له قيمة لأنه يعيش في بيئة حرب ويمارس القتال ويقتل ويعلم جيدًا أنه من الممكن أن يُقتل، وبالتالي فإن هذه العقلية وأهدافها قطعًا ستختلف عن أهداف إنسان عادي يعيش في بيئة مستقرة وله طرق وعي مختلفة.

فمثلًا عندما تسأل الضابط لماذا تحارب؟ فالطبيعي سيكون رده لحماية الأرض والعرض وبالتالى الشهادة في سبيل الله هي أسمى شيء في الوجود، أيضًا الإرهابي عنده نفس العقيدة ولكن بشكل مغلوط وهي تدمير الآخر مثلما تعلم من أجل إعلاء راية الحق ورفع الظلم والمستندة برؤية شرعية يفسرها فقهاء التنظيمات الارهابية، وبالتالي يتخذون آيات قرانية ويفسرونها بطريقتهم لتبيح لهم الإجرام والقتل وبالتالي تحقق مصالحهم وليس على المقاتلين الصغار السؤال لأنهم يرون في هؤلاء القادة القدوة والمهابة.

كثير من الناس قالوا إن الإرهابي في الحوار كان مُقنعا وإنه كان يُجيب بالحُجة، إلا أنني أرى عكس ذلك، بل كان جاهلًا جدًا في حديثه، ودليل انقياده مثل أى مجند صغير لأي تنظيم إرهابي، أنه كان حافظا لبعض الآيات القرآنية ويفسرها كما يتراءى لفكره المتطرف وكما تعود على استخدامها في موضعها المتطرف، بالتالي فإن الإشكالية ليست في أن المذيع لم يعرف كيفية محاورته، الإشكالية في أنه لم يتدرب على كيفية محاورته بالحجة الأقوى، مع ضرورة أن يكون حاضر الحوار فقيها أزهريا مخولا له الرد على تأويلاته الدينية الخاطئة.

وبالرغم من أن الكثير كان رافضًا ظهوره خوفًا من امتداد أفكاره المتطرفة لعقول الشباب، إلا أنه من المهم ظهوره للعيان حتى يعرف الناس فكره المشوش والمغلوط ورؤيته المتخلفة، التي يكتشفها أي شخص لديه الوعي الكافي، ومن ثم سينتقده الكثير من الناس على كلامه وأفكاره المغلوطة.

ومن يستمع لحوار هذا الإرهابي سيجد أن كلامه منقاد كأي فرد في قطيع ليس على دراية بالتنظيم الذي ينتمي إليه ولا حتى فكره، حتى عندما تم سؤاله عن مجلس شورى مجاهدى درنة كان كلامه غير متزن، وليس لديه أي معلومات عن التنظيم، وكيفية نشأته وفكره، فهو مجرد آلة تدميرية تم وضعها داخل مخزن ذخيرة وتم تدريبه جيدًا حتى أصبح مبرمجًا محترفًا لا يعرف سوى الأدلة التي يستخدمها ونوعها ومغلفة بمجموعة أقاويل تتيح له استخدامها.

يتميز هؤلاء المجندون بأنهم يكونون على درجة عالية من الثبات والقوة ومدربا على هذا الأمر لأن لديه عقيدة راسخة أن ما يقوم به حق وعلى يقين، وبالتالي يستطيع أن يشبع ميوله الإجرامية دون خوف من عقاب من الآخرة، ويدعم ذلك وجوده في بيئة حرب مثل ليبيا أو سوريا أو العراق أو غيرها من بؤر التوتر. إذًا فإن عالم التنظيمات الإرهابية خطير وغامض وعملية جذب الشباب الصغير سهلة جدًا في ظل اتباع طرق معينة لعملية غسل الأدمغة وتحويله لآلة مقابل امتيازات عقدية ومادية ولوجستية يدعمها العامل النفسي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي، والتي لها دورها في تحويله من شخص عادي مُسالم لإرهابي شرس.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط