الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أرفض إهانة الشيخ محمد متولي الشعراوي


قد يستغرب البعض لأنني أكتب مقالا خاصا عن فضيلة الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي "رحمه الله"، خاصة أنني مسيحي، وربما لم أسلم من هجوم بعض المتنطعين من الأقباط ومتصنعي البطولة ممن يتشدقون بالليبرالية والديمقراطية وحرية الرأي والتعبير ودعاة التنوير.

والحق أقول إن السبب الرئيسي في كتابة هذا المقال هو ما أراه وأشاهده بعيني وأسمعه بأذني من حملات مسعورة ضد الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي، وما قرأته من عبارات وهجوم لا أخلاقي يطول رجلا هو بين يدي ربه الآن، لحد أنك تستطيع أن تقول إن الحملات وصلت إلى ما يشبه "شيطنة" الشيخ الشعراوي! وهو ما أرفضه أنا شخصيا كمصري أولا وكمسيحي ثانيا، خاصة أن تعاليم المسيح ومحبته وطهارته ترفض إهانة البشر ووصفهم بأوصاف لا تليق أو تسبهم وتلعنهم وتحقرهم.

وفي الوقت ذاته، فإن النقد البناء لم يكن يومًا وسيلة للتحقير والتسفيه والتشهير والتخوين للآخرين، بل وسيلة لمواجهة الفكر بالفكر والرأي بالرأي والحجة بالحجة، نعم، ولعل ما استفزني أكثر بعض عبارات الكاتبة فريدة الشوباشي عن الشيخ ودعائها على الرئيس السادات وهو بطل للحرب والسلام بأن لا يسامحه الله لأنه أتى بالشعراوى، واصفة الشعراوي بأنه أداة لتفتيت الوطن العربي.
 
وبصراحة أنا مندهش كيف تصدر مثل هذه التصريحات من شخصية يفترض فيها أنها ليبرالية ومستنيرة ووطنية مثل الأستاذة فريدة الشوباشي؟! خاصة أن الرئيس السادات بين يدي الله؟! كيف تدعو عليه أن لا يسامحه الله وحسابه أصلا على الله؟!! ألم تعلم السيدة الفاضلة المؤمنة فريدة الشوباشي أن تحقير الميت والتطاول والدعاء عليه أمر مذموم ولا يقره عرف ولا دين سماوي ولا حتى دين أراضي؟ هل تناست الكاتبة المؤمنة والمستنيرة والوطنية حديث الرسول عليه السلام عندما قال "أذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساوئهم"، وأيضا "لا تسبوا الأموات لأنهم قد أفضوا إلى ما قدموا".

أنا شخصيا أؤمن بأنه من حق إنسان أن ينتقد أي إنسان أيا كان منصبه حتى ولو كان رئيس دولة أو رمزًا دينيا، على أن يكون هذا النقد بناءً ويتعرض للفكرة وليس للشخص نفسه، فمن حقنا أن ننتقد أفكار الشيخ الشعراوي وبلا هوادة، وليس من أخلاقياتنا التطاول عليه أو تخوينه أو تشويهه، وكما أن من حقنا أن نذكر ما على الشعراوي من سلبيات ومآخذ، فمن واجبنا أن نذكر أيضًا ما له من إيجابيات.

وإن كان الشيخ الشعراوي سجد لله شكرًا على هزيمة مصر في نكسة 1967 م، فعلينا أن ننتقد ونشجب الفعل، ولكن علينا أيضا أن لا ننسى اعتراف الشيخ الشعراوي نفسه بهذا الخطأ لاحقا، والاعتراف بالخطأ فضيلة، خاصة إذا أتى من شخصيات كبيرة ولها ثقل فكري وشعبي، ولكن أن نطلق سهام التخوين والتشويه ضد الرجل ونذكر ما عليه ونترك النصف الآخر من الحقيقة فهذه جريمة، خاصة أنها صدرت من دعاة تنوير وإصلاح مثل الشوباشي وغيرها، والوطنية لا يمكن أن تكون حكرا على الشوباشي ومهاجمي الشيخ، وفي نفس الوقت يبخس الشعراوي في وطنيته.

وهناك من يتهم الشعراوي بأنه كان من دعاة الفتنة في مصر ومعاديا شرسا لليهود والنصارى ــ أي المسيحيين، ومن يلقي بهذه الاتهامات ضد الشيخ الراحل على أن كل حياة ووعظ وما يقوله الشيخ على المنابر فتنة وتحريضا ضد اليهود والمسيحيين مخطئ أيضا، لأنه وإن كانت هناك بعض التصريحات للشيخ بها بعض العداوة، إلا أن من يقرأ في تاريخ الشيخ الشعراوي كله يجد أن هناك خطبا له وبرامج يحض فيها المسلمين على ضرورة العيش المشترك، كما أن هناك تصريحات للشيخ الشعراوي تحض على التعاون بين المسلمين والمسيحيين في الأمور والفضائل والقيم المشتركة لأجل صالح الوطن، وله مقولة معروفة في ذلك عند لقائه بالبابا الراحل الأنبا شنودة الثالث في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية وهي "إن مساحة الاتفاق بين المسلمين والمسيحيين واحدة، ويمكن أن نعمل جميعًا من خلالها، غايتنا رفعة مصر وتقدم شعبها ووحدة أبنائها".

ولعل زيارة الشيخ الشعراوي لمقر البابا البطريرك في الكنيسة المرقسية بالعباسية تنفي أي شبهة بأن الكنائس ديار للكفر ويجب هدمها، كما أن تأكيده على وجود مساحة مشتركة نتعايش من خلالها دعوة سلام ومحبة وليس دعوة تحريض وعنف وفتنة، ولا يمكن أن ننسى الصداقة القوية التي جمعت بين البابا شنودة الثالث والشيخ الشعراوي، لدرجة أن البابا شنودة بعد وفاة الشيخ الشعراوي رثاه بكلمات قوية مفعمة بالاحترام والتقدير لقيمته ومكانته بقوله: "الأمة العربية فقدت صديقا غاليا وعالما كبيرا قلما يجود الزمان بمثله".

كما أن الشيخ الشعراوي رحمه الله خلال اللقاء الذي جمعه مع البابا في الكاتدرائية قال وعلى الملأ كلمة مؤثرة وهي: "أنا باعتبر من منح الله لي في محنتي أنه جعلني أجلس مع قداسة البابا شنودة"، كما أكد الشيخ في اللقاء ضرورة وأهمية الود بين المسلمين والمسيحيين كتعليم إسلامي عندما ذّكّر الحضور والعالم ووسائل الإعلام بالآية القرآنية التي تقول "ولتجدن أقربهم مودة الذين قالوا إنا نصارى ذلك لأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون".

ومن يتابع بعض تعاليم الشيخ الشعراوي في بعض برامجه على التليفزيون المصري من قبل، كان ينكر الود بين المسلم والمسيحي بل يؤكد فقط على العيش المشترك دون ود، ولكن اعتراف الرجل في أواخر أيامه بضرورة الود والمحبة بين المسلمين والأقباط فضيلة واعتراف ضمني عن خطأ سابق، والاعتراف بالخطأ من شيم العظماء كما أكدنا مرارا.

ولعل بعض الناس لا يعلمون أيضا جوانب مخفية في حياة الشعراوي وحبه للسيدة العذراء والسيد المسيح، حيث يقول الكاتب الصحفي رجب البنا في مقال نشر له منذ سنوات وهو منشور للآن على موقعه الإلكتروني بعنوان "الشيخ الشعراوي والبابا شنودة"، أن الشيخ الشعراوي كان يعتنق منذ شبابه المبدأ الراسخ في وجدان المصريين وهو أن الدين لله والوطن للجميع، ونظم قصائد تعبر عن روح المحبة للأقباط باعتبارهم جانبا إلى جنب مع المسلمين في معسكر المؤمنين بالله وشركاء المسلمين في محاربة الإلحاد والإباحية، ويشير في أحاديثه وأشعاره باحترام شديد إلى السيد المسيح والسيدة مريم العذراء، ومن ذلك قصيدة نظمها سنة 1943 قال فيها: "إخوتنا الأقباط فيما بيننا ود قديم ثابت لم يفصم عطف الهلال على الصليب فما ذروا أن تجعلوا روح المسيح بمُكرم".

ويتابع رجب البنا في مقاله أنه في إحدى المرات قابل الشيخ الشعراوي ونقل له غضب بعض الأقباط من الشيخ وأنهم يرون أنه يسيء إلى عقيدتهم ويهاجمهما، فرد عليه الشيخ الشعراوي قائلا: "أنا أذكر أن من أهم الاحتفالات الدينية التى كانت تجمع آباء وأبناء قريتنا «دقادوس» كان مولد السيدة العذراء الذى كان يقام فى الأسبوع الثالث من أغسطس كل عام، ويقال إن العائلة المقدسة مرت من قريتنا وإن كنيسة العذراء أقيمت فى القرية لهذا السبب، وكنا جميعًا أقباطًا ومسلمين نحتفل بهذا المولد الكبير، وكذلك الأمر فى مولد السيدة «ديمانة» أو كما ينطقونها فى القرية «جميانة» وطبيعة قريتنا مثل طبيعة كل المصريين تعرف مقام السيد المسيح والسيدة مريم، وفى القرآن سورة باسمها وآيات كثيرة منها قول الله تعالى «يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين» والآيات التى تشير إلى مكانة المسيح وأمه معروفة. ثم يا أخى كيف لا نلتزم بأمر الله ورسوله بأن الأقباط لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وأمامنا الآية: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين".

واستطرد البنا قائلا: "عندما مرض الشيخ الشعراوي ذهب الشيخ إلى لندن لإجراء جراحة فى أحد مستشفياتها وشاء الله أن يكون الجراح الذى أجرى له العلمية هو الدكتور روزين اليهودى، وأن يشرف على علاجه ويلازمه الدكتور فايز بطرس، وهو قبطى مصرى، والدكتور سويدان مسلم فكان حول الشيخ فى لندن ثلاثة أطباء كبار يمثلون الأديان الثلاثة، وكأن ذلك كان رمزا لالتقاء الأديان وأصحاب الديانات على مبدأ واحد هو الإيمان بالله والإنسانية، وسُئل الشيخ: "ألم تشعر بالخوف وأنت بين يدى طبيب يهودى مع أنك هاجمت إسرائيل فى أحاديثك حتى أن إسرائيل طلبت منع أحاديثك فى التليفزيون؟"، فأجاب عن ذلك بأنه رأى أن هؤلاء الثلاثة أقرب الناس إلى الله، وأنه يؤمن بأن بين أصحاب الديانات السماوية اتفاق فى القضايا الأساسية: الإيمان بالله، وطاعته، والعمل بالقيم والأخلاق التى شرعها الله، والتعاون على البر والتقوى، أما ما يختلفون فيه فهو فى الفروع ولا ينبغى أن يكون سببًا للكراهية أو العداء، ويجب ألا نعطى فرصة للملاحدة.

وفي رأيي هناك الكثير والكثير لجوانب إيجابية كثيرة مخفية في حياة الشيخ الشعراوي، وهو ما يستوجب علينا كمنصفين ذكرها، ولكن أن نرى حملات مسعورة الآن لشيطنة الشيخ محمد متولي الشعراوي وتخوينه بل وتفسيقه وتشويهه، فهو أمر مرفوض ونشجبه ونستنكره بشدة، فكما انتقدنا بعض أفكار رأينا أننا ضدها للشيخ من قبل، فالأمانة تقتضي بل وتحتم علينا أن نذكر ما له من إيجابيات، فالشيخ الشعراوي ليس معصوما ولا منزها عن الشرور والآثام والخطيئة لأن كل ابن آدم خطاء والرجل اعترف بخطأه عن أمور أرى أنه صرح بها من قبل وهناك أخطاء اعترف بها ليس بالقول بل بالفعل، لأن الاعتراف بالخطأ بالفعل والسلوك لهو أقوى تأثيرا من الإعتراف بالفم فقط مع أن الاثنين أمران محمودان.

وأقول لأشباه التنويريين والليبراليين ومدعي البطولة إن حرية الرأي والتعبير وليبراليتكم المزعومة وديمقراطيتكم الحنجورية لم ولن تكون يوما حجة لاستباحة رموزنا الدينية والوطنية والسياسية وشيطنتهم وتشويههم، لأن هناك فرقا شاسعا بل وهوة كبيرة بين النقد البناء لأي رمز أي كان وبين التطاول عليه وتشويهه وتلويثه بذكر سلبياته والتغاضي المتعمد حتى ولو عن ذكر نقطة مضيئة أو موقف إيجابي في حياته.

والسؤال الهام: "من أنتم بجوار هؤلاء؟!"، استفيقوا وعودوا إلى رشدكم لأن الشعب المصري بمسلميه وأقباطه لن يسمح أبدا بأي سفاهة أو تطاول أو تشويه أو إسقاط للرموز الدينية والوطنية.. تعقلوا يرحمكم الله.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط