الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إطلالة على المنهج التفسيري لعائشة عبد الرحمن


طبقت الدكتورة عائشة عبد الرحمن منهج الأستاذ أمين الخولي مؤمنة بأن الدراسة الأدبية يجب أن تتقدم أي دراسة أخرى عند تناول النص القرآني بالدراسة، ليس فقط لأنه كتاب العربية الأكبر فحسب، ولكن لأن الذين يعنون بدراسة نواح أخرى فيه، و التماس مقاصد بعينها منه، لا يستطيعون الوصول إلي ما يرجوه دون أن يدركوا أسلوب القرآن الفريد و يهتدوا إلي أسراره البيانية. 

وهذه الدراسة قد استمدتها من أستاذها أمين الخولي الذي اعتمد علي الدراسة الموضوعية عند تفسير النص القرآني، فيجمع كل ما في القرآن، ويهتدي لمألوف استعمال الألفاظ و الأساليب، بعد تحليل الدلالة اللغوية لكل ذلك...( )
وقد رأت الدكتورة عائشة عبد الرحمن أن دراسة القرآن فيما سلف من المفسرين لم يتم تناولها بالطريقة التي تناولها مفسرو الدراسة البيانية في التفسير، فلم تجد محاولة تجعل النص القرآني موضوعا لدراسة منهجيه، علي غرار ما يفعل بنصوص أخرى لا سبيل إلي مقارنتها بالقرآن الكريم في إعجازه البياني، وقد حرصت لمدى ربع قرن قضتها في الجامعة علي أن تتبع أسئلة الامتحان في مواد اللغة العربية و الأدب، في أقسام اللغة العربية بمختلف الكليات فلم تجد من بينها سؤالا في البيان القرآني، وهذا يدل علي أن الفكرة لم تأخذ حظها الكافي من الوضوح و التمثيل( )؛ و لهذا شرعت في دراسة النص القرآني من الوجهة الأدبية علي النحو التالي:
1-الأصل إلي الوحدة الموضوعية:-

اعتمدت الدكتورة عائشة عبد الرحمن عند تفسيرها للقرآن الكريم علي الوحدة العضوية الكاملة؛ لأنها نظرت إلي القرآن الكريم باعتباره منهجًا إلهيًا متصلا وأرجعت الضرورة عند تناول كتاب الله – القرآن الكريم – بالدراسة إلي جمع كل ما فيه من آيات و سور في الموضوع المعني بالدراسة فتقول: " الأصل في منهج هذا التفسير كما تلقيته عن أستاذي هو التناول الموضوعي الذي يفرغ لدراسة الموضوع الواحد فيه فيجمع كل ما في القرآن منه و يهتدي بمألوف استعماله للألفاظ و الأساليب و تحديد الدلالة اللغوية لكل ذلك "( ).

فالدكتورة عائشة عبد الرحمن تبرز قيمة التفسير الموضوعي، التي اعتبرته أقوى و أقوم من التفسير المتقطع، و هذا واضح في أكثر من موضوع من تفسيرها "التفسير البياني ".
2-فهم ما حول النص القرآني:-
وهي دراسة تقوم علي ترتيب نزول الآيات الكريمة؛ لمعرفة ظروف الزمان و المكان التي وافقت نزولها وهي تبغي من خلال ذلك الإحاطة المعرفية التي لازمت الآية الكريمة؛ حتى تبين مقاصدها و أهدافها وقد تستعين بالمرويات في أسباب النزول من حيث هي قرائن لابست نزول الآية الكريمة( ).

3-فهم دلالات الألفاظ:-
اعتمدت الدكتورة عائشة عبد الرحمن عند تفسيرها لآيات الذكر الحكيم علي فهم دلالات الألفاظ من خلال التتبع الدقيق و الشامل للفظة القرآنية و معرفة الدلالات التي تعطيها في شتى استعمالاتها للوقوف علي أدق المعاني القرآنية الخاصة بها، وهو منهج اتفق عليه رواد "المدرسة البيانية " في التفسير، فتلمس الدلالة اللغوية الأصلية التي تعطي حس العربية للمادة في مختلف استعمالاتها الحسية و المجازية، ثم النظر إلي تدبر سياقها الخاص في الآية و السورة، وسياقها العام في القرآن لإبراز المقاصد القرآنية من النص القرآني( ) فحين شرعت – صاحبة التفسير البياني – في تطبيق المنهج الموضوعي لم تزد في الحقيقة علي تتبع موارد الألفاظ في القرآن الكريم ودلالاتها، وتلك حلقة فحسب من المنهج الموضوعي تسبقها و تتلوها خطوات وحلقات، لكنها اكتفت بها وركزت عليها؛ فأتت بنتائج و مفاهيم جديدة للألفاظ التي تناولتها، فصبغت تفسيرها بصبغة بيانية استطاعت بها الانتماء إلي الاتجاه الأدبي في التفسير( ).
3-فهم أسرار التعبير:-
ارتكزت الدكتورة عائشة عبد الرحمن في هذه الدراسة علي تتبع دلالات الألفاظ، ملتزمة بجمله سياق النص – في الكتاب المحكم – نصا و روحا و أكدت أن هذا هو أحد الملامح التي أخذتها من أستاذها أمين الخولي، فقالت: " والأصل في هذا المنهج كما تلقيته عن أستاذي هو التناول الموضوعي... و هو منهج يختلف تماما عن الطريقة المعروفة في تفسير القرآن سورة سوره ، يؤخذ اللفظ أو الآية فيه مقتطعا من سياقه العام في القرآن كله مما لا سبيل معه إلي الاهتداء إلي الدلالة القرآنية لألفاظه، أو استجلاء ظواهره و مصارحته البيانية ، و يلتزم في دقة بالغة قولة السلف الصالح "القرآن يفسر بعضه بعضا"، و قد قالها المفسرون ولم يبلغوا منها مبلغًا يحرر مفهومه من كل العناصر الدخيلة و الشوائب المقحمة علي أصالته البيانية "( ) و تستعين بآراء بعض المفسرين عند تفسيرها لآية من آيات الذكر الحكيم ثم تعرض لرأيها في قالب الاعتزاز بما أتت به.
وقد أشار أحد الباحثين أنها قد تنبه من كلامها إلي معني كلمة في النص القرآني و تشير بأن معناها لم يدركه بعض المفسرين( )، و تجزم بما تصل إليه و تعين القول به و رفض ما سواه "ولكن ما يلفت النظر في منهج المؤلفة حملتها السافرة علي قدامى المفسرين و اعتدادها الشديد بما تحقق من نتائج "( ) ففي حديثها عن الهمزة و اللمزة في قوله تعالي:( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ)( ).
تستقرئ آيات القرآن في معني الهمز و اللمز وتتحدث عن معانيها الحية و المعنوية، و ترفض ما ذهب إليه الأمام – محمد عبده – من أن اللمز يكون بالعين و الشدق و اليد بحركات تشير إلي التحقير و اللمز يكون باللسان و الإيغال في توبيخهم من خلف ظهورهم و اللمزة الذي يدأب علي مواجهتهم بكلمة السوء تحقيرا لهم و غضا لشأنهم ( )، ورفض الدكتورة عائشة عبد الرحمن نتائج بعض المفسرين راجع إلي تتبعها الدقيق للفظة القرآنية في القرآن الكريم، ولكن هناك بعض المأخذ التي أوخذت عليها في التفسير، منها:-
1- القصور في الاستقراء لبعض الألفاظ القرآنية.
2- تحديد المعني قبل الاستقراء اللغوي.
3- اعتدادها برأيها دون غيرها من المفسرين.
وهذا ما جعل حكمها في بعض الأحيان غير مصيب( ).
4- عدم الخوض فيما أبهمه القرآن:-
رفضت الدكتورة عائشة عبد الرحمن الخوض في الغيبيات؛ مرجعة الأمر في ذلك إلي عدم إباحة القرآن ذاته بها، وهذا واضح من خلال تفسيرها لآيات الذكر الحكيم. فعند تعرضها لقوله تعالي (وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى)( ).
فتقول: والأولي ألا نحدد الآية هنا، ما دام القرآن نفسه لم يرد تعينها في هذا الموضع، مكتفيه بوصفها الكبرى، وهي صيغة تشهد دلالة الآية علي صدق موسى، وعلي قدرة به، رب فرعون والخلق جميعا "( ).
فنرى أن الدكتورة عائشة عبد الرحمن رفضت الخوض في الغيبيات لأن الله- سبحانه وتعالي- استأثر بعلمها عنده و لم يعلمها لأحد، و أرجعت الضرورة إلي الإيمان بها، و أخذها كما تلقيناها من الحق – جل علاه – دون المحاولة إلي استنتاج معانيها التي لا تعود علي المتلقي بفهم معناها و مرادها.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط