الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إسلام عبد الهادي يكتب: حسنة لصالح الشيطان

صدى البلد

منذ أن خلق الله آدم حذره من الشيطان وعلّمه أن الشيطان هو العدو اللدود مهمته هي إبعاده عن الطريق المستقيم يغويه بكل السبل ليحق وعد الله عليهما بالجحيم، مستغلا وساوسه وتحريضه المستمر على المعصية والفجور ونشر الحقد والفوضى بين الناس.

ولكن مع مرور الزمن فاقت آثام البشر كل التوقعات حتى أننا نصف البعض بأنهم تغلبوا على إبليس في المكر والدهاء والشر والخداع، واستيقظنا على جرائم تقشعر لها الأبدان وتصرفات تأنف البهائم عن استصاغتها، فتحول الشيطان في نظر البعض إلى ملاك مقارنة بأفعال البشر فصار البعض أبالسه أكثر من إبليس نفسه.

وفي حارتنا المكتظة بالبشر تجسد ذلك بالدليل القاطع، فقد تحول البشر في كثير من الأوقات إلى ذئاب تتناحر فيما بينها، والبسطاء يشهدون الصراعات ويدعون الله أن ينجيهم من ويلاتها التي تنال منهم في كثير من الأحيان.

وتجسد المشهد الذي كشف لي حقيقة بعض البشر المختبئين في أجساد تشبه أجسادنا وكلنهم ليسوا منا، كيف يمكن أن يتحول الشيطان إلى ملاك مقارنة بتصرفات البشر الوضيعة.

ففي السوق عندنا دكان لبيع الدواجن والطيور "فرارجي" يبيع كغيره من أصحاب الكار بالأسعار المتداولة في السوق والتي تفرضها بورصة الدواجن التي خرجت لنا لتكون موضة جديدة تتحكم في أسعار الدواجن وفقا لرغبة كبار المنتجين والتجار، لتحدد ما يأكله المواطن وفقا لرغتبهم وليس وفقا لاحتياجات البسطاء.

ومع مرور الوقت ظهر منافس جديد لهذا البائع ليوسوس له الشيطان أن يختار الدكان الملاصق للفرارجي ويقرر أن يبدأ فيه مشروعه ويبيع فيه الدواجن والطيور، ومن الواضج أن البائع الجديد الذي أطلق على دكانه اسم "طيور الجنه" ; وما لها في الجنة من شيء، كان متمرسا في المهنة، وأقنعه الشيطان أنه قادر على سحق جاره ; بائع الدواجن القديم، بمهارته وثقله في السوق وحنكته.

وظن "طيور الجنة" أن الحرب التي سيخوضها لن تأخذ منه وقتا طويلا، بل هي أيام أو أسابيع معدودة حتى ينهار جاره ويرفع الريشة البيضاء معلنا انهزامه وسيطرة الديك الجديد على الحظيرة، فبدأ الحرب معلنا أسعار أسالت لعاب البسطاء من أهالي حارتنا المكتظة، ليهجر الجميع بائع الدواجن القديم وتتحول خطواتهم إلى الدكان الجديد ليذوقوا طعم "طيور الجنة".

مرت الأيام وظن "طيور الجنة" أن المعركة ستُحسم لصالحه لا محالة، وسيصيح بكل قوته بعدها ليعلن أنه من يسيطر على الحظيرة، ولكن المفاجأة كانت في رفع بائع "الفرارجي" لافتات بأسعار حطمت أسعار "طيور الجنة"، ليصاب الجار الجديد بالصدمة، فمن الواضح أن الشيطان لم يكن حليفه وحده، بل مر على جاره ليمنحه بعض النصائح كي يستعيد زبائنه مرة أخرى ويصيح بعدها هو الآخر معلنًا انتصاره.

استمر التناحر بين أصحاب الدواجن، وملأ زغب الريش هواء حارتنا، وذاق البسطاء طعم "طيور الجنة" و"طيور الأرض"، وفي الواقع لم يجدوا فرقا في الطعم، الفارق الوحيد كان في الأسعار التي لم يرها أحد منذ أعوام قبل اندلاع الثورات، ولا تزال المنافسة مشتعلة بين التاجرين والرابح هو البسطاء في ظل الأجواء المليئة بـ"النقنقة".

تسائلت بيني وبين نفسي كثيرا، هل أخطأ الشيطان تقديراته!، أم هو شيطان مبتدئ وبدلا من لم شمل التاجرين وعمل جلسة للصلح بينهما تستهدف تثبيت الأسعار والتحالف على البسطاء لجني الأرباح اختل توازنه وجعل نار المنافسة تأكلهما حتى تشبع البسطاء من لحوم الدجاج والطيور المختلفة!، هل حقا أراد الشيطان أن يذيق البسطاء طعم اللحوم بدلا من الهياكل ليحمدوا الله في النهاية؟!.
في الحقيقة لا أظن ذلك أبدا فالشيطان هو هو، ولكنها في النهاية "حسنة حُسبت لصالح الشيطان" في قاموس البشر، وإثم أضيف لبني البشر الذين لم يفكروا يوما في صالح البسطاء ولم ينتفضوا إلا للزود عن أنفسهم بعد أن عماهم الغل والحقد والانتقام والجشع، ليفتك كل منهم بكبد الأخر حتى يصيح المنتصر "أنا الديك المسيطر على الحظيرة".