الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قدس العرب وقدس الكرد وثنائية المال والدين


 برع ما كنا نسميه مسبقاً بالاستعمار الغربي الاجنبي وحديثاً الحداثة الرأسمالية في زرع قنابلها الموقوته بين ثنايا المجتمعات والشعوب، بغية تفجير هذه القنبلة في الوقت الذي تريده مصالحها أن تكون بغض النظر عما ستعاني منه المجتمعات. ثنائيات وهويات قاتلة أصبحت الشعوب والمجتمعات الشرق أوسطية ضحية لها، نتيجة الشحن المستمر منذ عقود في أدمغتنا على أنه إما "نحن" أو "هم". هذه الثنائيات القاتلة باتت بالنسبة للكثير من حكام المنطقة العصا السحرية التي عن طريقها تقود المجتمعات نحو الهاوية والدمار والاقتتال، وكأنه لم تكتفِ الحداثة الرأسمالية وحكامها في المنطقة منذ آلاف ومئات السنين من القتل والدمار والخراب الذي تعرضت له الشعوب والمجتمعات وأن حالة الجشع التي أعمى بصرها وبصيرتها جعلتها من دون أخلاق أو ضمير مجتمعي انساني.

كل المجتمعات والشعوب بدون استثناء هي ضحية تقسيمات القرن العشرين فيما كان يسمى سايكس بيكو أو وعد بلفور، التي عليها باتت المجتمعات تتقاتل فيما بينها من أجل الفردوس المفقود إن كان في بناء الدولة القوموية أو في صون الدين. وهذا ما لعب عليه البريطانيين والفرنسيين وروسيا القيصرية والآن امريكا في تأجيج الصراع والحروب في مصطلحات دوغمائية ليس لها وجود سوى في العلم الوضعي البعيد كل البعد عن العلم المجتمعي أو ما يسمى بـ "سوسيولوجيا الحرية".

كل الدول التي تشكلت بعد الحرب العالمية الأولى والثانية في منطقتنا وحتى الآن لم تعرف معنى الاستقرار والأمان، كانت وما زالت تعيش الحروب المصطنعة فيما بينها أو مع شعوبها تحت حجج كثيرة تم سوغها لنا على أنها من المسلمات التي ينبغي أن نؤمن بها ونضحي بحياتنا من أجلها. الدين والدولة القوموية اللتان تعتبران من الآلات الجاهزة بيد الحداثة الرأسمالية الناهبة في نشر الفوضى والحروب والدمار في أية منطقة تريدها، وما زلنا نحن نصدق ذلك ونُعِدُ العدة للقتال او للانقلابات.

فعلها البريطانيون والفرنسيون بداية الحرب العالمية الأولى في ترك الكرد من دون وطن وتم تجزئة كردستان بين سوريا وتركيا وايران والعراق وفق معاهدة سايكس بيكو ولوزان، وكذلك فعلوها مع الفلسطينيين وتم تجريدهم من وطنهم وفق معاهدة أو ما سمي بوعد بلفور. ومنذ ذلك الحين يسعى الشعبين ويناضلان من أجل تحرير الوطن إن كان كردستان أو فلسطين. وبنفس الوقت تم اختزال هذين الوطنين وحتى نضالهما في تحرير القدس و كركوك التي يسميها الكرد قدس الاكراد.

الشعبين ضحية، الكردي ضحية وعد لوزان والفلسطيني ضحية وعد بلفور. وانقضى القرن العشرين والشعبين كانا ضحية للدول الرأسمالية الناهبة والحكام الذين تم تنصيبهم لزيادة النهب ولإشباع جشع ونهم القوى الرأسمالية. لاقى الشعبين الويلات والقتل والتهجير القسري والسجون طيلة القرن الماضي لتحقيق حلم بناء الدولة القوموية إن كانت كردستان أو فلسطين والتي كانت السبب في إنهاك الشعبين على حد سواء. وبنفس الوقت تم تربية وتسييس الدول الأخرى بهذين الشعبين. فمن ناحية تم ويتم تربية وتخويف تركيا وإيران من الكرد وبناء دولتهم كردستان وكذلك الأمر مع العرب، وتم استغلال قضية الشعبين بكل ذكاء في إدامة القوى الناهبة الرأسمالية في استمرارية بقائها في المنطقة وزرع الفتن بين طرفي النزاع وبيع الأسلحة للطرفين لتعقيد القضية أكثر، وبنفس الوقت جعلت من نفسها أي القوى الناهبة الرأسمالية المخلص أو المهدي المنتظر كي يتم حل هاتين القضيتين. ووصل بالشعبين الكردي والفلسطيني يستجدي حقوقه من ظلامه الاستعماريين تحت مسميات القوانين والأعراف الدولية تارة والديمقراطية وحقوق الانسان تارة أخرى والأمم المتحدة أيضاً.

طيلة قرن ومع كل التضحيات لم تتحرر لا كردستان ولا فلسطين، ولم تتحرر لا قدس الاكراد "كركوك" ولا قدس العرب "القدس". فهل نعي لعبة القوى الرأسمالية أم أننا سنمضي ونكرر ما فعلناه طيلة القرن الماضي. إذ، لا التعصب القوموي ولا التطرف الديني يمكن لهما حل هاتين المعضلتين اللتان أنهكتا الشعبين الفلسطيني والكردي. لأن القدس هي لكل الشعوب والأديان ولا تخص شعب أو دين بعينه، وكذلك كركوك.

لا "الاستفتاء" شفع للكرد في أن يخلصهم من النكسة والتراجيديا ولا بيانات التنديد والشجب ستشفع للفلسطينيين في أن تخلصهم من نكسة أخرى. ينبغي على الطرفين أن يعيا أن الحل الأمثل يكمن في العيش المشترك بين الشعوب والأديان من دون استعلاء أو اقصاء لتيار على آخر. وأن فلسفة الأمة الديمقراطية التي طرحها السيد أوجلان ربما تكون الحل الأمثل في تفادي المجتمعات والشعوب الحروب والاقتتال مرة أخرى. لتكن كركوك والقدس مدينة الكل مع الكل على أساس أخوة الشعوب والقوميات والأديان. ومن غير ذلك سنستمر في تكرار ذاتنا ولن نصل لحياة كريمة لكافة الشعوب كي تحيا مع بعضها البعض ثانية. والابتعاد عن الثنائيات والهويات القوموية والدينوية القاتلة التي هي أساس الصراع من أجل المال والسلطة تحت شعارات دينية وقوموية. 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط