الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

القاهرة تتبنى استراتيجية جديدة في البحر الأحمر.. مقترح مصري لإنشاء تجمع اقتصادي إقليمي للدول المتشاطئة.. والأوضاع في اليمن والطموح الإيراني والإرهاب في الصومال تفرض ترتيبات أمنية فاعلة للمواجهة

حاملة المروحيات ميسترال
حاملة المروحيات ميسترال إحدى قطع الأسطول الجنوبي

  • وزير الخارجية:
  • يلزمنا إطار مناسب للتعاون الاقتصادي في البحر الأحمر
  • أماني الطويل:
  • المكانة الاستراتيجية للقرن الأفريقي لا تقل عن دول حوض النيل
  • انهيار الصومال أبرز أشكال التهديد للمصالح المصرية
  • مراقبون:
  • شواطئ البحر الأحمر جرى تلغيمها في 1984 ولم يكشف عن المتورطين
  • القواعد الأجنبية تهديد لمصالح دول حوض البحر الأحمر


طرحت مصر أمس، الاثنين، خلال مؤتمر "الدول المتشاطئة للبحر الأحمر" مبادرة لتشكيل كيان اقتصادي تنموي في إقليم البحر الأحمر لتعزيز ملكية الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر لشئونه، والتنسيق بينها لمجابهه تحدياته.

ولاشك في أن دول البحر الأحمر تشكل عمقا استراتيجيا مهما، يحتاجه الأمن القومي المصري وأمن الإقليم العربي، في ظل التهديدات الجديدة، سواء الإقليمية المتمثلة في النزاع المحوري، مع الجوار، أو لتأمين المجرى التجاري للنفط والبضائع، وأمن الملاحة في قناة السويس كما تدفعه الضرورات الاقتصادية التكاملية.

ومن ناحية أخرى، فإن الوقت قد حان لتبني طموحات وأهداف إقليمية، تليق بإمكانات دول المنطقة، وقد أطلقت فيه الأيادي الغريبة، ما يشكل خطرا عسكريا حقيقيا، على الأمن العربي، ويطعنه في الخاصرة، والأحرى تحديث استراتيجية لإطلاق قوة ناعمة، تبني علاقات مصلحة مع دول البحر الأحمر.

ولاشك أن الأوضاع السياسية في منطقة البحر الأحمر لم تكن أكثر اضطرابًا في يوم من الأيام، وسط الأطماع الخارجية التي تحيق بالإقليم، وما تشهده بعض الدول المحيطة من اضطرابات سياسية وأمنية، تطورات الأوضاع في اليمن تثير مخاوف عدة إذ تشكل تهديدًا للسلم والاستقرار ليس في الداخل اليمني فقط، وإنما في الإقليم ككل.

وتشهد شواطئ البحر الأحمر أيضًا تزايدًا في موجات الهجرة غير الشرعية والإتجار في البشر. كما تظل أخطار الإرهاب ماثلة في المنطقة، مع إصرار الدول الداعمة له على نشر بذور الفتنة وعرقلة جهود التنمية من أجل مصالحها الخاصة.

وفي هذا السياق تشارك القوات البحرية المصرية في تأمين الملاحة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر ومنع تهريب السلاح، بما يتماشى مع القرارات الدولية ذات الصلة.

وما من شك في أن الأوضاع الاقتصادية لدول البحر الأحمر تتأثر سلبًا بمثل هذه التحديات السياسة والأمنية، وعلي الرغم من أن الإقليم يمكن أن يمثل منظومة تتكامل فيها عوامل التنمية الاقتصادية من عمالة وفيرة وخبرات عالية ومصادر استثمار وموارد وسوق واسعة، إلا أنه لا تزال هنالك مساحة كبيرة أمام الدول العربية والأفريقية المشاطئة للاستغلال الكامل لإمكانات وفرص التعاون المشترك فيما بينها، بما من شأنه تعظيم الفوائد الاقتصادية لهذه الدول.

وأكد وزير الخارجية سامح شكري أن البحر الأحمر يُعد أحد أهم طرق الملاحة الدولية التي تنقل حوالي 15% من التجارة العالمية، كما يعيش في دوله أكثر من 200 مليون نسمة يطمحون إلى تحقيق السلم والاستقرار والنمو.

وقال الوزير في كلمة له في مؤتمر الدول المتشاطئة في البحر الأحمر أمس، الاثنين، إن "التاريخ الحديث شهد مساعي عدة، سواء فردية أو جماعية، قامت بها دولنا لتنظيم شئون البحر الأحمر ومجابهة تحدياته، إلا أن هذه المساعي - رغم جديتها - لم ترق بعد إلى مستوي التنسيق الذي نأمله، فلا نزال في حاجة إلى إطار مناسب يرسي قواعد تعاون اقتصادي إقليمي متناغم يحقق المنفعة المشتركة، ويؤدي إلي إجراء حوار كاشف حيال الأوضاع السياسية في إقليم البحر الأحمر ومحيطه، ويوفر في الوقت ذاته صيغة للتنسيق المشترك الفاعل لمجابهة التحديات الأمنية في المنطقة".

وشدد شكري على أن الفرصة لا تزال سانحة اليوم لتدارك ما مضي، ويتسق ذلك مع ما دعت إليه القمم العربية الأفريقية الماضية - لا سيما القمة العربية الأفريقية الأخيرة في مالابو عام 2016 - من أهمية تعزيز الحوار السياسي لتنسيق المواقف من القضايا الإقليمية وتشجيع الاستثمار وتعزيز التجارة الإقليمية بين الدول العربية والأفريقية.

وأضاف أن طموحات تعزيز التعاون المشترك وما يحمله ذلك من فرص، فضلًا عن التحديات الراهنة التي تواجهها المنطقة، تدعو إلى البدء دون إبطاء في جهود تحقيق التنسيق والتكامل اللازمين بين الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر.

وتابع: "شهدت الفترة الماضية تركيزًا من مختلف الأطراف على جهود مكافحة القرصنة في منطقة القرن الأفريقي سعيًا لتقويض هذه الظاهرة السلبية ولضمان عدم امتدادها إلى البحر الأحمر، غير أنه مع الانحسار النسبي لحدة تهديدات القرصنة، فإن تحديات جديدة تبرز اليوم وتستوجب إيلاءها اهتمامنا وتكاتفنا".

وطالب سامح شكري بتعظيم الاستفادة المشتركة من البحر الأحمر، وإيجاد محفل جامع لدوله العربية والأفريقية يحقق منفعتها المشتركة، وفي إطار التعاون المأمول ينبغي أن يأخذ في الاعتبار التفاوت في مستويات النمو الاقتصادي بين دول البحر الأحمر، ومن ثم تباين أهدافها وخططها التنموية، الأمر الذي يعني ضرورة تنوع مجالات مشروعات وآليات التعاون، والسماح كذلك بسرعات متفاوتة للتنفيذ بما يُمكن كل دولة منهم من اللحاق بأي مشروع إقليمي وفقًا للملاءمة الوطنية.

وبحسب مراقبين، فإن مسألة أمن البحر الأحمر، جزء مهم وكان «مهملا» في معادلة الأمن الإقليمي؛ وخبراء الاستراتيجيات الأمنية ينظرون إلى أمن البحر الأحمر كجزء أصيل من أمن المنطقة العربية، يكمله ويحتاجه، اقتصاديا وأمنيا.

وتمر عبر البحر الأحمر 45 في المائة من ناقلات النفط المحملة بنفط الخليج العربي، وتشاطئه تسع دول، وبالإضافة إلى قواعد بعض هذه الدول فإن الوجود الأجنبي يتمثل في قوات البحرية الأمريكية، والأوروبية (فرنسا وبريطانيا)، بالإضافة إلى البحرية الإيرانية والتواجد التركي في الصومال.

وفي السياق الأمني ، يظل البحر الأحمر مرتبطا بالتوترات والنزاعات خاصة العربية، فارتبط بعد عام 1973 بقضية نزاع الشرق الأوسط، حتى أن اتفاقية كامب ديفيد أشارت إلى حركة الملاحة فيه وتأمينها.

من جانبها، قالت الدكتورة أماني الطويل، في مقال لها بـ«الأهرام الاستراتيجي»، إن انهيار مؤسسات الدولة في الصومال كان أبرز مصادر التهديد للمصالح العربية والأفريقية بعامة والدول المشاطئة على البحر الأحمر بخاصة (مصر، السودان، السعودية، الأردن، إريتريا، اليمن، والصومال)، كما أفرزت ظاهرة القرصنة التي دفعت لتصنيفه كـ"أخطر ممر مائي في عام 2008". وحتى قبل الشروع في تدويل أزمة القرصنة فيه، فإن شروط نشر «قواعد» للقوى العظمى لم تكن مفاجئة، وفقا لتوازنات القوى، بحسب «قانون ماهمان» للقوة والهيمنة البحرية، فحصلت أمريكا على تسهيلات من الصومال وإثيوبيا كما أقامت قاعدة «دييغوجارسيا» التي تقع جنوب البحر المتوسط، لحماية المصالح النفطية في البحر الأحمر، والحد من النفوذ الروسي والصيني ودعم الحلفاء، وانسحب هذا على أمن المنطقة.

وفي مقاله «خطة إيران الجديدة للهيمنة على المنطقة وما بعدها»، يرى محلل السياسات بمعهد دراسات الحرب دبليو جونثين ريو، أنه وبينما ينشغل العالم بالبرنامج النووي الإيراني، فإن إيران قررت الوصول إلى مكاسب في جبهات أخرى، فوضعت استراتيجية عسكرية تمتد إلى عام 2025، تهدف إلى نشر القوات البحرية بكفاءة وسرعة قياسية على امتداد مثلث استراتيجي من مضيق هرمز إلى البحر الأحمر إلى مضيق ملقا.

ويضيف "ريو" أن البحرية الإيرانية بقسميها الفيلق (منسوبي «الحرس الثوري»)، بدأت تتوسع منذ عام 2007 على امتداد بحر قزوين وخليج عمان، والمياه الزرقاء خارج منطقة الخليج العربي، وصولا إلى البحر الأحمر، واستدل على ذلك بأن «إيران شاركت في عام 2010 في مناورة مع جيبوتي»، التي تتحكم في إحدى ضفتي باب المندب، وركز المقال على أن الخطة الاستراتيجية جعلت البحرية الإيرانية، تمثل أحد أهم العناصر الفعالة في «أجندة» السياسة الخارجية الإيرانية.

ولا تعد عمليات القرصنة البحرية المنتشرة في البحر الأحمر أول تهديد أمني من نوعه لأمنه، حيث جرى تلغيم شواطئ البحر الأحمر عام 1984 في محاولة لم يكشف عن جميع أبعادها حتى اللحظة الراهنة، ولا عن الأطراف المتورطة فيها على نحو جازم، هذه البيئة تخلق الكثير من الأسئلة حول الجهات المسئولة عن هذه العمليات.

ويرى اللواء حسام سويلم، الخبير العسكري، أن انتشار إيران، هو في إطار التحسب لإغلاق مضيق هرمز، ومكافأة الضرر بالضرر، فهي تعد جيدا في حالة حدوث مواجهة عسكرية بينها وبين البحرية الأمريكية في منطقة الخليج، بما يعرقل تدفق إمدادات النفط عبر هذا المضيق الذي تمر من خلاله 30 في المائة من إمدادات النفط العالمي إلى الدول المستهلكة للنفط في أوروبا وآسيا والولايات المتحدة، فتهدد في المقابل بتعطيل قناة السويس لمنع الملاحة البحرية فيها، وذلك من خلال إغلاق مضيق باب المندب في جنوب البحر الأحمر. ويفهم سويلم، في هذا الإطار، إقامة قواعد بحرية إضافية في بحر عمان، وهي تدخل أيضا في إطار استمرار الاستعدادات الإيرانية لمواجهة عسكرية متوقعة في ضوء تطورات صراعها مع المجتمع الدولي بسبب الملف النووي الإيراني.

وأشار إلى النشاط العسكري، قائلا: «القرن الأفريقي هو جناح العالم العربي الإسلامي في أفريقيا، فالدول التي تطل عليه وتكونه هي: الصومال، وجيبوتي، وإثيوبيا، وإريتريا، ويتصل بها السودان، وكينيا، وأوغندا، تأثيرا وتأثرا. هو بهذا التحديد قرن إسلامي الهوية، للكثافة السكانية المسلمة التي تقطنه، ولكن، أين دول البحر الأحمر العربية من هذه القضية؟ ولماذا ضعف دور مصر في الماضي وإن كان يتم استنهاضه اليوم على يد الرئيس السيسي، وهي مهمة أفريقيا وعربيا، ولديها نهر النيل الذي ينبع من دول هذا القرن؟ وأين السعودية التي تمسك بالضفة الشرقية للبحر الأحمر، وأين اليمن الذي يمسك بعنق البحر الأحمر وفمه؟».