الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

النِهاية‎


تتميز الرحلاتِ القصيرة بمميزاتٍ عَديدةٍ يغُلبُ عليها الطابع الإيجابي، شريطةَ أن تَلتَزِمَ مُنذُ البِداية بقواعِد السَّفَرِ عامةً ، وتعليماتِ المكانِ بشكلٍ خاص.

أبرَزْ السلبيات التي تواجهك عِند القيام بذلِك النوع مِنَ الرحلات، أنها مرهقةٌ للغاية، فأحيانًا كثيرة بَعد القيام بإجازة تشعُر بحاجتك لإجازة ! ويأتي هذا الشعور بالإجهاد نتيجة قِصر وقت الرحلة وإن طالت!

فمَهْما قضيت وقتًا في مكان تَعْلَم أنْ وجودك فيه موقوت بزَمن مُعين وإقامتَك فِيه مرهونة في رقبةِ عدّاد الأيام، يُضفي هذا علي أدائك وسلوكك نوعًا مِن الارتباك وإن لم تشعُر.

لاحِظ تصرفاتَك بَلْ والمحيطين بِكَ أيضًا أثناء الرِحلة، ستجِد أن لِكُل منكم هدفًا خاص بِه يسعي لتحقيقِه ونادِرًا ما تتشابَه الرغبات، وعادةً ما تتعارَض الاهتمامات مِمَّا يؤثِر سلبًا علي إمكانية بلوغ مساعِيك، وإن أدركت مَّا تسعي إليه ستُدرِكُه ناقِصًا فالكمالِ لا وجود لَهُ علي الأرْض ، حتي وإن كَانَت أَرْضُ الأحلامِ التي وطأتها بكامِل إرادتك!

الاستقرار دائمًا ما يبعَثُ الطمأنينة، فأولِ يَوْم لَكَ في رحلتِك تشعُر فيه بأنَك صَاحِب المكان ولن يستطيع أَحَد أن ينتزِعَك منه، لَٰكِن مَع مَغيب شَمْسُه تشعُر بأن صَاحِب المكان الحقيقي قَدْ لاحَ في الأُفق ويلوحُ لك بعصا سحرية ترسِم علي السماء شَفَق، وتَطبَعُ عليها الغَسَق، وتنثُر في جنباتِها النجوم بعَبث، ولِم لا ؟ فهو الزَمن الذي يقدِر ولا نقدِر!

تنتهِي الرِحلة وتعود إلي حيثُ أتيت ،مُحمَّلا بحقائبِ بحاجة للترتيب والتنظيف ، بَعد أن أِتَسخَ بعضُها في أثناءِ الرحلة وضاعَ ترتيبها في خِضَم الزحمة، وتعود أيضًا حاملًا ذكريات مُتداخِلة و آمال مُتباينة وآحلام مؤجلة.

ألا تَتَشابَه تِلْك الرِحلة برحلتنا في الحياة؟ ألا تَخْضَع حياتنا لنفسِ الشروط والتحديات ؟

نعَم هي رحلة الحياة القصيرة السريعة الماكرة ما تمنحَك إلا لتأخُذ مِنك، نلهث فيها إلي آخر أنفاسنا رغبةً و خوفًا وطمعًا.

ما يُميز الرحلة الدنيوية عَنْ أي رِحْلَة أخري هو نهايتها، فنهاية رسالتَك علي الأرض هي لحظة إنتصار حقيقي، لحظة تهزم فيها الخوف مِن المجهول، والقَلَق من المعلوم ، في تِلكَ اللحظة تَضع أنف المَرَض في الأرْض ، وتدُب خنجرًا في قَلب الحنين والأفتقاد ، ستسخَر من روزنامة أوراق عُمرَك التي خَلَت إلا مِن أوجاع فقدَك لِبَعْضِك، يومًا بعد يَوْم.

ستُقابِل ذاتَك التي تنكَّرت لها إرضاءً لمَن نكّرَها! ستكتشِف مدَي تفاهة آلامَك وآمالِك وأنتَ تودِعهم بكُل بساطةٍ وسعادة ، ستُـلوح بكلتا يديك ضاحكًا لكل ما أبكاك يومًا بذاتَ اليدين اللتي مَسَحَتْ دَمعَك.

الحياة دائرة حائرة ، نولَد في مركزها ونُلقي في محيطها الذي يدور بثبات شِدِيد غير عابئ إلا بالحِفاظ علي رتابة دورانُه ، وفِي لحظِة ما بَعد أن يقهرنا ويُرهِقنا يلفَظْنا إلي نُقطةِ البداية ، مُحملين بحقائِب أعمالٍ جنيناها بأيدينا ، وبحصاد ألسنتنا ، وسلامةِ قلوبنا، فنعود إلي حيثُ جئنا لٰكن ليسَ كَمَا أتينا.

النهاية هي المُلازِمة لِكُل بداية، هي الحقيقة التي ننُكرُها رَغْم اللطائِف التي تحمُّلها ، نُغفِل أشارات اللهُ لنا فنمضي غافلين ألَمْ يقُل وقولُه الْحَق (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ) والأجل ليسَ العُمر وحْدَه إنما هو المال والعيال والعَمل والأحبة ، الدُّنْيَا دار مؤقتة كُل ما فيها موقوت، يأتي ويذهب بميعادٍ مَعْلُومٍ غيرَ مَعلومْ، فالنهاية مكتوبة قَبْلَ البداية.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط