الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ديكارت والأحناف.. والنبيذ الحلال.. في صحتك يا تاريخ!


أتابع بشكل أسبوعي الحلقات المتميزة التي يقدمها عمرو أديب أسبوعيا مع الدكتور يوسف زيدان تحت عنوان (رحيق الكتب)، ومحتوى الفقرة ومقدمها وضيفها وحتى عنوانها يستحقون التقدير الشديد، لما تقدمه للمشاهدين من وجبة فكرية دسمة وهادفة.. وكان منها في بداية الحلقات مناقشة كتاب (تأملات في الفلسفة الأولى لديكارت) المعروف بأبو الفلاسفة.

وسمي عصره بعصر العقل، لأن ديكارت هو من أسس للهندسة التحليلة، وألف كتاب مقال في المنهج وهو يفسر كيفية التفكير، ثم كتاب "تأملات في الفلسفة الأولى" هو من أحدث الصدمه، حيث ناقش حقيقة الوجود عن طريق تساؤلات عن حقيقة وجوده وإن ما كان يعيشه الآن هو الحلم والحلم هو الحقيقة.. وأمور أخرى.

وتبعتها حلقات متميزة وطرح فيها زيدان أراء صادمة تاريخية وفقهية وواجه كثير من الانتقادات، ووصل الأمر الى تبادل الاتهامات، وأخر ما قاله الدكتور يوسف زيدان أن الأحناف أحلوا شرب النبيذ، وأنه ليس من المحرمات وهو ما رفضه على الفور مشايخ الأزهر ونترك الأمور الفقهية لأهلها.

الا أنني من المؤيدين بشدة لضرورة تجديد الفقه وتنقيته من الخرافات والمرويات والإسرائيليات ومشايخ الحيض والنفاس وتحريم كل شيء جميل في الحياة وحولوا حياتنا الى جحيم، رغم أن الإسلام دين بهجة ودين الخير في الأرض.. وما قاله الدكتور زيدان: إن حكم شرب النبيذ عند المذهب الحنفي حلال ولا شيء فيه، ولكن المذهب الشافعي يحرمه، وأشار الى أن الأزهر يتبنى المذاهب الأربعة والحرام يختلف وفق الاتجاهات المذهبية بالدين.. والنبيذ عند الأحناف حلال بينما هو محرم عند الشافعية، وأكد الدكتور زيدان أن المذهب الرسمي للدولة المصرية (هو المذهب الحنفي).

وهو ما يعني أننا أحناف، وبناء عليه نقول للشعب المصري وللتاريخ ولكهنة التاريخ ومزيفيه (في صحتك يا تاريخ) اتفقنا أو اختلفنا مع الدكتور يوسف زيدان وأراءه وتناوله لرموز تاريخية بشكل قد يكون صادم وفيه بعض التجاوز، وقد يصل الى حد السب والقذف.. يرفضه الكثيرون وخاصة مشايخ وعلماء الأزهر في حالة ما كان الموضوع يتناول أحد الخلفاء أو أمراء المؤمنين مثل عبد الملك ابن مروان.. أو أحد القادة مثل الناصر صلاح الدين ومن بعده أحمد عرابي والباقي معروف.

والمواقع الاخبارية تنقل بشكل أسبوعي تصريحات وأراء الدكتور يوسف زيدان، وهو ما يؤكد نجاح فكرة البرنامج أو فقرة "رحيق الكتب" في برنامج الزميل العزيز عمرو أديب، وأرء الدكتور يوسف زيدان أحدثت حراك إيجابي في الساحة الفكرية وبين المشتغلين بالتاريخ، وألقت كثيرا من الحجارة في المياه الراكدة، ومن الممكن أن تكون بداية للتخلص من الآفات الضارة التي لحقت بعقولنا وعقول النخبة والفقهاء والمشايخ الذين تجمد فكرهم وعقولهم وسلموا بما هو سائد والمدافعين باستماتة عن كل ما هو جامد وجمدوا الاجتهاد والفقه على أربعة من الفقهاء عاشوا وماتوا منذ أكثر من 1400 سنة هجرية، وهو ما تسبب في شيوع التطرف والتنطع واختلاط الدين بالتقاليد والموروثات المجتمعية مما أدى بنا خسارة الدنيا والنهضة والحضارة التي نقلها عنا الغرب ونهضوا هم ونمنا نحن ودخلنا في سبات عميق.

والغريب العجيب أنهم أرداو عقاب يوسف زيدان وجميع المطالبين بتصحيح التاريخ وتخليصه من الشوائب بقانون اسمه (تجريم العيب في الرموز التاريخية)، وفي حالة صدوره أو تشريعه ستمتد أثاره المخيفة من الرموز التاريخية الى الرموز الدينية التي ظلت تتحكم في هوية الشعب المصري لعشرات السنين، ويمنحهم قداسة مزيفة وسيكون أقرب الى قانون العيب في الذات الملكية.. أنا هنا لا أدافع عن الدكتور يوسف زيدان فهو أقدر على الدفاع عن نفسه بفكره وعلمه ومخطوطاته التي نهل منها الكثير خلال عمله ودراسته وكتاباته.

ولكن أنا ضد ما قام به النائب عمرو حمروش، من طرحه لفكرة قانون العيب في الرموز التاريخية، أي رموز يا أيها النائب الموقر، وما هي المعايير التي ستحددوها للرمز التاريخي، من هؤلاء الذين ستحظر وتجرم الاقتراب من رموزهم، وهل هي رموز أمامية أم هي رموز خلفية.. وطبعا هاتعتبر المجلس الموقر ونوابه الموقرين من الرموز.

 أتمنى من رئيس مجلس النواب وأستاذ القانون الدستوري أن يمنع مناقشة أو طرح هذا القانون، لأنه سيتسبب في الكثير من المآسي والآثام الفكرية وسيحول حياتنا الفكرية والثقافية الى جحيم والمحاكم والقضاء المصري لديه ما يكفيه وزيادة من القضايا.. ارحمنا يا سيادة النائب الموقر حمروش.. وخليك في حالك وابعد عن التاريخ ومكائد التاريخ وخداع الرموز التاريخية والخلفاء ومن كتب أو زيف التاريخ من أجلهم ومن أجل دراهمهم وذهبهم.. والله المستعان.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط