الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سوريا المريضة نحو المشفى الحكومي «سوتشي»


تقدمت موسكو بمقترح عقد لقاء مباشر بين المعارضة بمختلف توجهاتها من طرف وبين النظام السوري من طرف آخر، علَّها (أي موسكو) تُقرب وجهات النظر المتباعدة تمامًا بين الأطراف المتصارعة والمتناحرة على الجغرافيا السورية. معظم الأطراف لا يفكر بالشعب السوري بقدر ما يفكر بما سيجنيه من هذا المؤتمر من مكتسبات جديدة تُضعف الطرف الآخر، وهذه السلطة التي يلهث نحوها كِلا الطرفين لن يجنيا منها سوى الكثير من الذل والمهانة وزيادة في النفور المستقبلي لسوريا المستقبل.

روسيا تبحث من خلال هذا المؤتمر إضفاء شرعية على النظام السوري بالرغم مما قام به خلال سنوات الحرب التي خلَّفت ملايين المهجرين ومئات الآلاف من القتلى والجرحى هذا غير الدمار الذي لحق بالمدن السورية، وبنفس الوقت تعمل موسكو على إقناع المعارضة بشقيها السياسي والعسكري في الاندماج مع النظام مع بعض التغييرات في الشكل تحت شعار "عفا الله عما مضى" وعلى الطرفين تقبيل بعضهما البعض وكأن شيئًا لم يحدث.

بغض النظر عمَّا سيتمخض عنه مؤتمر سوتشي من نتائج كبيرة كانت أم صغيرة، إلا أنَّ جميع المعطيات على الأرض لا توحي بشيء من الإيجابية تعمّ على الأطراف، فسوريا التي تعرضت لشتى أنواع الدمار والخراب والقتل والنحر والتهجير ما هي إلا عبارة عن مريض متوفى سريريًا ولا يمكن إنقاذه أبدًا في أخذه إلى مشفى حكومي تكون الرعاية فيه شبه معدومة كما في معظم المشافي الحكومية المعروقة للقاصي والداني.

سوريا بحاجة إلى مشفى من نوع خاص يكون فيه الأطباء من ذوي الخبرات والدارسين للتاريخ المجتمعي السياسي منه والأخلاقي وكذلك على دراية كافية في تشخيص سوريا بشكل جيد تاريخيًا وسياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا، كي تكون الأدوية التي سيتم حقنها في الجسد السوري لها مفعولها وإن كان بعد حين، أي أن ما يلزم سوريا هو دواء جديد ولا يمكن الاعتماد على حبوب الأسبرين كي يتعافى منه به السرطان.

نعم، إن الجسد السوري ألم به السرطان منذ عشرات السنين، وأن هذا المرض الآن مستفحل في معظم هذا الجسد ولا يمكن شفاؤه بنفس العقلية التي كانت موجودة سابقا. داء التعصب القوموي والديني هو السرطان الذي يعشعش في الجسد السوري وعدم تشخيص المرض بشكل جيد لأن يزيد المريض إلا أنينًا وصراخًا وربما يعاني البتر في المستقبل.

لا المعارضة ولا النظام تخلصوا من عقليتهم الدوغمائية المعتمدة على التعصب الشوفيني القوموي والطائفي والمذهبي، وأن الطرفين المتناحرين يُصرون على عقليتهم هذه ويعتمدونها على أنها الدواء الشافي لهذا المرض الذي يعاني منه الجسد السوري، كِلا الطرفين على خطأ ولا يمكن الاعتماد عليهما أبدًا في حل هذه المعضلة، فلا النظام وخلال عقود من الزمن لم يستطع استيعاب المجتمع بأكمله بشكل ديمقراطي، ولا المعارضة التي تعتمد على تركيا استطاعت خلال سنوات الثورة أن تقدم الحل الجديد للشعب السوري، وكأن الاعتماد على تركيا سيجلب الحلول للمشاكل التي تعانيها سوريا، بل على العكس أن تركيا هي من لها اليد الطولى في تمزيق النسيج السوري ونشر الدمار والخراب فيها.

الحل الذي اعتمده الكرد في الشمال السوري منذ سنوات والذي يستند على أخوة الشعوب والتعاضد بينهم أثبت أحقيته واستمراريته في الوجود، بالرغم من كل الهجمات التي تعرض لها الشمال السوري من هجمات الإرهابيين بمختلف مشاربهم وأسمائهم لأنهم في النهاية يوجهون من قبل تركيا وينفذون أجنداتها الشوفينية. مشروع الإدارة الذاتية المطبق منذ فترة ليست بالطويلة أعطى بصيصًا من الأمل لجميع الشعوب والمكونات في الشمال السوري من كرد وعرب وسريان وآشور وتركمان وشيشان.

إذًا الكل مشارك في هذه الإدارة ويعملون على إنجاح هذا النظام الجديد على المنطقة في أن يقود الشعب نفسه بنفسه بكل معنى الكلمة، وليس ديماغوجيًا فقط من الذين ينادون به ولا يعملون لأجله. فلسفة الأمة الديمقراطية يمكن اعتمادها كفلسفة جديدة في المنطقة لحل معظم القضايا والمشاكل التي يعاني منها المجتمع أينما كان، بعيدًا عن العتصب الشوفيني القوموي والديني.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط