الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

من رواد المدرسة البيانية في التفسير القرآني


ونستخلص منهج الدكتور محمد أحمد خلف الله في تفسير القرآن الكريم من خلال عمله "الفن القصصي في القرآن " و الذي لقي هجوما من الكثيرين غير المؤمنين بفكرة أدبية القصص القرآني، و لكن هذه الرسالة لقت قبولا عند أفراد "المدرسة البيانية " حيث دافع الأستاذ أمين الخولي عن هذه الرسالة دفاعا قويا يوضح مدي إيمانه بهذه الفكرة، كما أثنت الدكتورة عائشة عبد الرحمن علي فكرة الدكتور خلف الله في أطروحته – الفن القصصي في القرآن – قائلة: " وقد طبق بعض الزملاء هذا المنهج تطبيقا جيدا في موضوعات قرآنية اختارها لرسائل الماجستير و الدكتوراه "( ).

وقد اعتمد الدكتور خلف الله في "الفن القصصي في القرآن "علي ضرورة النظر إلي القصص القرآني نظرة أدبية؛ لأن هذه النظرة في فهم القرآن الكريم قادرة علي حل المشكلة عند المسلمين ، فلا أهمية للزمان و المكان والأشخاص – الذي لا يهتم بهم القرآن الكريم – في القصة القرآنية، كما أن هذه النظرة قادرة علي رد طعون المستشرقين فلا أخطاء تاريخية، و قادرة علي إراحة العقل الإسلامي من البحث في مثل قضية التكرار في القصة، مقرا بأن العقل البشري لو أقام فهمه للقصص القرآني علي أساس فني وأدبي لما وقف وقفته مع التكرار؛ و لعرف منذ اللحظة الأولي أن الذي عدة تكرارا ليس من التكرار في شيء؛ لأن هذه المواد التاريخية غير مقصودة من القصص( ).
وهذه الرؤية التي اعتمد عليها الدكتور خلف الله جعلته يأتي بعدة نتائج، أثارت الكثير من المتلقين لذلك في الأمة الإسلامية و منها:
1. إنكار تكليم عيسي "عليه السلام " في المهد( ).
2. في القرآن الكريم أخطاء تاريخية( ).
3. القرآن الكريم يجري علي معتقدات العرب وأهل الكتاب( ).
4. تصوير إبليس يخضع للبيئة( ).
5. القصص القرآني يتطور من مرحلة لمرحله( ).
وهذه المقررات هي التي وصل إليها الدكتور خلف الله من خلال فهمه الأدبي و الفني في فهم القصص القرآني، والواقع أن التفسير القرآني حديثا لم يشهد ما خرج به عن حده و طبيعته إلا من خلال هذا العمل الذي كان أكثر تمسكا و التزاما و عصمة بالموضوعية، ولم يشهد تاريخ التفسير علي طوله ما يزلزل يقين الاطمئنان إلي معطيات النص القرآني التاريخية مثلما شهد من هذه المحاولة( ).
وقد أحدثت هذه المحاولة ردود فعل واسعة الأرجاء حيث تلقفها بعض المستشرقين بالإعجاب العظيم، و رأوا فيها محاولة جديدة للنهضة بالتفسير في مصر، و ساقوا من نصوصها ما أرادوا الاستدلال به علي أنها الدراسة الجديدة و الأدبية الوحيدة في مصر، وأن ما قوبلت به من معارضة يدل في زعمهم علي تحكم المرجعية الدينية في حركة التفسير الحديثة، أما في مصر فقد قوبلت هذه المحاولة بما تستحق من نقد و تفنيد، وصارت مثلا علي ضلال المنهج الذي يتبعه التخبط في نتائج غير مسددة( ).
فالنغمة السائدة بين الفريقين تكون ما بين رافض لهذا الأمر ومفند للفكرة إلى حد تكفير صاحبها التام كما حدث مع الرافضين لما طرحه الدكتور خلف الله ومؤيد تأييدا تاما إلى حد الانسياق الأعمى لما صنعه كما حدث مع أصحاب هذه المدرسة إلى حد الإيمان التام بأن ما قدمه يكاد يكون العمل العلمي الوحيد الذي استطاع صاحبه الوصول إلى نتائج علمية حقيقية من دراسته للقرآن والبون شاسع بين أصحاب الاتجاهين نظرا لاختلاف الأيدولوجيا بين الاتجاهين، وكي نضع الدراسة في الحيز الذي يلزمها يجدر بنا أن نتوقف أمامها بصورة دقيقة ومحايدة للوقوف على ما قدمه دون الانحياز إلى فئة بعينها.
ويمكن تتبع رؤى الدكتور خلف الله من خلال هذا العمل حيث تعامل مع القصص القرآني علي اعتبارها قصص تحمل خصائص أدبية أكثر منها تاريخية، وأحال رؤية بعض المفسرين السابقين الذين تناولوا القصص القرآني علي أساس تاريخي على سبيل الخطأ و قد نشأ هذا الخلاف نتيجة تعامله مع العناصر القصصية علي أساس فني، حيث أخذ عنصرا واحدا أو عناصر بأعيانها و رسمها من جوانب عديدة، وتصويرها من مواقع مختلفة لتنتج من ذلك رسوما عديدة للشخصية الواحدة و صورا كثيرة للحدث الواحد، بحيث يكون لكل رسم طابعه الخاص و لكل صورة شخصيتها المميزة، ثم في بناء الأقاصيص المختلفة، مشيرا إلى أن هذا الصنيع الأدبي هو الذي أغلق الباب أمام فكرة التكرار القصصي في القرآن الكريم( ).
فعند تعرضه لقوله تعالي قال تعالي (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)( ).
يقول:
أن القرآن يخاطب المعاصرين للنبي عليه السلام من أهل الكتاب و يذكر نعم الله – سبحانه و تعالي – عليهم و فضله الذي أسبغه فيما مضي، ولكن القرآن لم يأت بالصيغ التي تدل علي هذه الحقيقة من حيث الزمان فهو يعرض عن الماضي الذي يصور ما حدث لأجدادهم زمن موسي و قبله و يصور هذا الحديث بالصيغة التي تدل علي الحضور و المشاهدة و كأن الأمر يقع بهم لا بأجدادهم.
ويرجع الدكتور خلف الله هذا المفهوم إلي الصنيع الأدبي الذي يرمي إليه القرآن الكريم، ووصفه بأنه الأقدر علي تحريك القلوب و إثارة العاطفة و الوجدان( ).
نقول:
أن الدكتور خلف الله يريد أن ينتهي إلي القول بأن أحداث التاريخ التي وردت في القصص القرآني قد رتبت ترتيبا عاطفيا، و بنيت بناء يقصد به تحريك الهمم و النفوس؛ راغبا من ذلك ضرورة إخضاع القصص القرآني علي أساس الرؤية الأدبية الفنية وهذا ما أثار ضجة حول هذا العمل و التي يمكن الإفاضة فيه فيما بعد.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط