الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

السودان ومصر .. خيارات المصالح


كان القرار السودانى بسحب سفيرها في مصر مفاجئا فى تقديرى ويختلف فى طبيعته عن المواقف السابقة لنظام اإنقاذ الذى اعتاد على تكتيك مسك العصا من المنتصف فى العلاقات مع مصر، مع الحفاظ على هامش مناورة يسمح دائما بالعودة على اعتبار أن العلاقات السودانية المصرية لها طبيعتها الخاصة التى ﻻ يمكن لأحد أن ينكر أنها علاقات يشهد على عمقها التاريخ وحتى الجغرافيا التى أضفت بعدا آخر يعظم من حتمية التوافق حتى فى أوقات الخلافات ﻷن المصالح تفرض هذا الواقع دائما.

وعلى الرغم من حتمية التوافق فى تقديرى إﻻ أن نظام اﻻنقاذ يصر على البحث عن بدائل لمصر على أساس التوافق الفكرى، لذلك لم يكن غريبا التوافق مع إيران عقب الوصول الى الحكم فى عام 1989.
 
وأبدى البشير فى أكثر من مناسبة اعحابه بالنموذج اﻻيرانى قبل أن يعلن فى العام الماضى قطع العلاقات الدبلوماسية مع ايران على واقع أسباب مذهبية وأقصد هنا محاولة ايران نشر التشيع فى السودان وإغلاق المراكز الثقافية اﻻيرانية فى الخرطوم والتحول سريعا نحو الخليج ومحاولة لعب دور الوسيط لتحسين علاقات دول الخليج مع قطر التى تعتبرها السودان حليفا مستقرا وهو ما يظهر دائما فى تصريحات البشير واﻻجهزة الشعبية والتنفيذية السودانية حتى ذهب البعض الى ضرورة مساندة قطر علنا فى أزمتها مع مصر ودول الخليج من باب رد الجميل على المواقف والمساندة القطرية للسودان فى جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ولم يعد ذلك خافيا على أحد حتى تعددت اللقاءات بين قادة البلدين على حساب العلاقات مع مصر. وحديثى ليس من باب الوصاية ومن حق أى نظام اختيار أولوياته وسياساته ولكن بما ﻻ يؤدى الى الصدام والمواجهة التى قد تعصف بالنظام اﻻقليمى العربى لصالح دول اقليمية ودولية اخرى الذى يعانى منذ عام 2011 حتى اﻵن، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى الإضرار بمصالحنا وخاصة المائية التى ﻻ تقبل تهاونا ﻷنها مصالح بقاء بالأساس ومصيرية.

وتقاربت الخرطوم مع إثيوبيا وتركيا، ويدعو الموقف السودانى ويشهد فى الوقت ذاته على التحول فى السياسات السودانية مع اختلاف النظام فى مصر حيث دعمت الموقف المصرى فى البداية من سد النهضة ثم تحولت من دولة تحاول تحقيق التوافق بين مصر وإثيوبيا الى دولة تدعم سد النهضة بل وتبنى تحالفا واضحا مع الجانب اﻻثيوبى، وبالتالى نحن نتحدث من باب الرصد والمتابعة حتى نصل فى النهاية الى تحليل سياسى واضح يجعلنا نقرأ السيناريوهات المستقبلية فى العلاقات السودانية المصرية التى أصبحت على المحك فى ظل تبنى النظام هناك سياسات من شأنها التأثير على المصالح المصرية وخاصة بعد التنازل طواعية لتركيا عن ميناء سواكن الذى يحظى بأهمية استراتيجية وتجارية خاصة ويهدد ذلك اﻷمن فى البحر اﻷحمر .

كل ذلك أدى فى النهاية الى وجود ما يشبه التربص من الجانب السودانى ناحية مصر مع التزام مصر وحرصها على عدم اﻻنزﻻق الى ما يعكر العلاقات مع السودان التى تلعب دورا مهما في الفكر السياسى المصرى منذ فجر التاريخ مع ملاحظة وجود معارضة فى الداخل السودانى نحو تلك السياسات وكذلك لسوء اﻻحوال المعيشية وتبنى النظام لسياسات اقتصادية أدت الى المزيد من العوز والفقر اضافة الى عدم تحقيق اﻻستقرار والتنمية واﻻندماج الوطنى ومازال البشير يبحث عن حلول لتلك اﻻزمات التى وعد بحلها منذ وصوله الى الحكم وهو ما لم يحدث حتى اﻵن.
 
وازداد الموقف صعوبة مع توتر العلاقات مع إريتريا، كل ذلك وما زال البشير ﻻ يرى سوى أفكاره التى تقف خلف كل قراراته وسياساته الخارجية.

ورسالتى دونما وصاية ﻻبد من تبنى سياسات تدعم العلاقات مع مصر التى تنظر الى السودان دائما على أنها عمقها اﻻستراتيجى وتدعيم تلك الرؤية دونما استدعاء لكل ما يعكر تلك العلاقات التى تشهد توترا مكتوما فى تلك اﻻيام وﻻبد من إعلاء خيار المصالح المشتركة عن اى خيار آخر خاصة فى تلك الفترة التى تعكس تربصا بالمحيط العربى وإدراك وتقدير المواقف التى من شأنها الحفاظ على اﻻستقرار والأمن.. فهل يسمعنا أحد...؟
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط