الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الوزير والصعايدة


وزير التنمية المحلية اللواء أبو بكر الجندي قرر منع الصعايدة من ركوب القطار والنزول إلي القاهرة للعمل ، وإتهم الصعايدة بأنهم سبب مشكلة العشوائيات ، وطالب مجلس النواب بإصدار قانون يمنع الصعايدة من مغادرة محافظاتهم.

كان ذلك مجمل حوار لصديق معي ، وقفتُ مذهولا من كلماته ، فسألته هل سمعته بنفسك ؟ فرد بل سمعته من أحد أصدقائي.

حاولت أن أتحري تصريحات الوزير ، خاصة أنني في ذلك اليوم كنت أقضي إجازتي الشهرية في بيت عائلتي بميت غمر، وغير متابع للأحداث ، وبعد فحص وتمحيص إكتشف أن الجزء الأكبر من كلمات صديقي وصديقه ما هي إلا نسج من أخبار زائفة، إنتشر في المجتمع بشكل سريع و تداوله العامة ظنًا منهم في صحته ، كما أن الجزء الاخر الصحيح في الحوار منقوص لدرجة لا تمت لمقصود الوزير بصلة.

الوزير قال إنه يستهدف تنمية الصعيد من خلال جذب الإستثمارات وإقامة المشروعات خاصة الصرف الصحي ، قائلا : سنشجع الإستثمار فيه لخلق فرص عمل ، ونبطل نخلي الصعايدة يركبو القطار وييجو القاهرة علشان يبحثوا عن فرص عمل ويعملولنا عشوائيات.

فشتان ما بين قصد الوزير وتناول تصريحاته سواء من صديقي أو من آخرين ، لننتقل إلي خطورة الحديث بالنقل لا بالعقل ، بالخيال لا بالواقع ، بالإشاعة لا بالحقيقة ، بالتحريف لا بالتصحيح.

هناك إحصائية تقول أن 70% من تفاصيل المعلومة يسقط في حال تنقلنا من شخص إلى شخص حتى وصلنا الخامس أو السادس من مُتواتري المعلومة.

فالحديث بالنقل أو الإشاعة له مأرب وأهداف منها ما هو ربحي مادي ، مثلما راجت في السعودية عام 2009 إشاعة حول احتواء ماكينات الخياطة "سنجر" على مادة الزئبق الأحمر، ما أدى إلى تدافع البعض لشرائها بأسعار هائلة، بمزاعم إستخدام الزئبق الأحمر في إنتاج الطاقة النووية وحتى إستحضار الجن وإستخلاص الذهب وإكتشاف الكنوز المدفونة، فيما نسبت شرطة الرياض إطلاق تلك الإشاعات إلى عصابات نصب.

ومنها ما هو سياسي بغرض إحداث ربكة في المجتمع ، مثلما حصل في الثورة الليبية لمعمر القذافي ، عندما شاعت شائعة قوية بهروبه من ليبيا فإضطر للتصوير من أمام سيارته ليثبت للناس أنه ما زال موجودًا في ليبيا.

في أزمة الصعايدة مع الوزير فهمت إنه يريد التركيز على توفير مشاريع للتنمية في محافظات الصعيد ، لوقف الهجرة الداخلية بحثا عن العمل، ولكن خانه التعبير، فلا يجوز وصف الصعايدة وحدهم بأنهم وراء بناء العشوائيات ، وإن كانو جزءا منها بالفعل ، فالمؤشرات تدل على تراجع حظ صعيد مصر في فرص التنمية مقارنة بالأقاليم الأخرى ، خاصة وإن نسبة الفقر على مستوى الجمهورية 28%، نصيب الصعيد منها 50%، كما أن 80% من المصريين المهاجرين للخارج صعايدة ، وهناك محافظات في الصعيد تزيد بها معدلات الفقر عن 60%

والدولة أيضا عامل مشترك ما بين العشوائيات والعشوائيين لفساد الركب في المحليات مسئولة التراخيص ، والتقاعس عن مواجهة البناءات المخالفة للقانون ، وغياب الدولة عن التنمية لسنوات في هذه المناطق التي تحتاج إلى توطين الخدمات، للحد من تدفق السكان من الوجهين القبلي والبحري للعاصمة.

أما الحديث بالنقل لا بالعقل فقد صور التصريح لتهييج الصعايدة ، وإيهامهم بأنهم مواطنين درجة تانية ، وأنه تم التهكم عليهم ، وتمييز ضد فئة بالمجتمع، وإساءة لها، وتحريض عليها، وعنصرية شديدة النظرة للصعايدة يرفضها جميع أبناء الصعيد ، وأن الوزير يخدم أعداء الوطن، ويقسم أبناء مصر إلى طوائف وفئات.

فالعشوائيات وباء في جسد الوطن ، والصعايدة والصعيد مظلومون ، ولكن يظل الحديث بالنقل لا بالعقل لا يقل خطورة عن العشوائيات ومعاناة الصعيد وأبنائه.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط