الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خالد بارود يكتب: مؤتمر بيت المقدس .. تثبيت الهوية المقدسية

صدى البلد

تمثل المكانة الدينية لمدينة القدس جزءًا من عقيدة أكثر من مليار ونصف المليار مسلم، وهذه المكانة المقدسة ظلت مستقرة في قلوب المسلمين عبر الازمنة والعصور، منذ ان جاءت الرسالة المحمدية وحتى اليوم وإلى أن تزول الدنيا بأسرها.

فهذه المدينة الصغيرة بمساحتها الكبيرة بآفاقها الروحية، تضم في جنباتها جوهرة عظيمة، تداني في عظمتها ومكانتها الحرمين الشريفين في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة، تلكم الجوهرة هي المسجد الاقصى المبارك؛ أقدم المساجد بعد الكعبة المشرفة، وثالث الحرمين الشريفين بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي، ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ومكان عروجه الى السماء، وهو أولى القبلتين، وأرض المحشر والمنشر، ولأجل ذلك كله فهي مدينة مباركة ومقدسة.

أما بالنسبة للفلسطينيين (مسلمين ومسيحيين)، فالقدس الشريف هي جوهر الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، الذي ما فتئ منذ احتلاله للمدينة المقدسة عام 1967م، يعمل جاهدا لإحكام السيطرة عليها، وتغيير معالمها بهدف تهويدها وطمس الوجود العربي الفلسطيني فيها، وقتل أمل الفلسطينيين في تحقيق دولتهم المستقلة التي تتمسك قيادتهم بأن تكون عاصمتها القدس الشريف.

استخدمت إسرائيل لأجل ذلك الكثير من الوسائل، وقامت بالعديد من الإجراءات ضد المدينة المقدسة وسكانها، وخصوصا في السنوات الأخيرة، في ظل ردود الفعل العربية والاسلامية الباهتة على خطط اسرائيل الشيطانية وخطواتها الاجرامية لتهويد المدينة المقدسة، ومحو هويتها الاصلية، والتي لا تتعدى عبارات الشجب والاستنكار المعروفة والتي لا ترتقي لحجم الجرائم المتكررة، وفي ظل انشغال العرب والمسلمين بمشاكلهم الداخلية وأزماتهم وحروبهم وخلافاتهم التي رأت فيها اسرائيل فرصة مواتية للقضاء على ما تبقى من أمل بحل عادل للصراع العربي الإسرائيلي، وولادة دولة فلسطينية على التراب الوطني الفلسطيني.

لا يمكن أن يكون هناك شك لدى أي عاقل أن السلام الشامل والعادل لن يتحقق في فلسطين أو العالم بأسره إلا بعودة مدينة القدس الشريف إلى السيادة الفلسطينية، باعتبارها العاصمة الأبدية لدولة فلسطين التاريخية.

لقد راهن الشعب الفلسطيني في تحقيق أهدافه الوطنية على القانون الدولي والشرعية الدولية، وقبل أن تكون الولايات المتحدة وسيطا تمنى أن يكون نزيها وعادلا بينه وبين اسرائيل، لكن الإدارة الأمريكية أبت إلا أن تستكمل مسلسل الاعتداءات على الحقوق الفلسطينية، بالتوازي مع سياسة التهويد الاسرائيلية في مدينة القدس، وذلك حين صدمت العالم أجمع بقرارها الجائر بالاعتراف بمدينة القدس عاصمة لإسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، وقرارها نقل سفارتها إلى المدينة المقدسة، وهو ما يمثل اعتداءً صريحا على الأمتين العربية والإسلامية، وعلى حقوق المسلمين والمسيحيين، وعلى كل احرار العالم، وعلى الحقوق الوطنية والتاريخية والقانونية للشعب الفلسطيني، وانتهاكا وتنكرًا لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وانتهاكًا خطيرا للقانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة، وقرارات مجلس الأمن الدولي، وتساوقًا مع اجراءات الاحتلال التي تكرس ضم القدس وتهويدها، وتبنّي لرؤية اليمين الصهيوني المتطرف الذي يسعى الى تهويد القدس وتعميق الاستيطان.

هذا القرار أفقد الولايات المتحدة الأرضية القانونية والأخلاقية كوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وجعلها طرفا منحازا في الصراع، ما دفع القيادة الفلسطينية إلى التحرك الفوري في كل الاتجاهات والتواصل مع عواصم الدول الشقيقة والصديقة، لإطلاعهم على خطورة هذه الخطوة، بالإضافة إلى تعزيز التنسيق والتعاون مع منظمة التعاون الاسلامي وجامعة الدول العربية والأزهر الشريف، للتصدي لأية خطوة من شأنها المساس بالوضع القانوني والتاريخي لمدينة القدس، واتخاذ كافة التدابير اللازمة للتحرك لمواجهة الإجراءات الرامية إلى تغيير وضع القدس.

ولعله في إطار تعزيز موقف القيادة الفلسطينية الرسمي الداعي لضرورة اتخاذ كافة الخطوات العملية حفاظًا على عروبة القدس، واستنهاضًا للأمة العربية والاسلامية سوف يعقد مؤتمر بيت المقدس الدولي التاسع في ذكرى الاسراء والمعراج تحت رعاية سيادة الرئيس أبو مازن في 11/4/2018م في مدينة رام الله، وبمشاركة أكبر عدد ممكن من الأشقاء والأصدقاء؛ مسلمين ومسيحيين، قادة وعلماء وباحثين من جميع دول العالم، من أجل القدس، وتعزيزا لصمود أهلها، ورفضا لقرار الإدارة الأمريكية، وتأكيدًا على قيام العرب والمسلمين بواجبهم الشرعي والقانوني حماية للقدس من التهويد، فالهوية المقدسية في خطر، ولعل مؤتمراتنا تكون نقاط انطلاق نحو حمايتها .