الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

من رواد المدرسة البيانية في التفسير القرآني (3)


جاءت المقالات السالفة التي تناولت المنهج التفسيري للدكتور خلف الله كاشفة عن الخطى التي سلكها في بيان مقاصد النص القرآني و التي جاءت من خلال رؤى أدبية باعتبار النص القرآني المبارك هو كتاب العربية الأول و نظمه هو المعجزة الخالدة و الكاشفة الأولى عن ألوهيته ، و على ذلك يمكن الكشف عن المحاور المنهجية التي ساقت و قادت الفكر إلى هذه النتيجة ، و يمكن بيان ذلك :

1- الوحدة العضوية:-
اعتمد الدكتور محمد أحمد خلف الله علي الوحدة الموضوعية في تناول آيات الذكر الحكيم و خصص دراسته التي حملت قصصا قرآنية فقام بأدراج الآيات القرآنية التي اشتملت علي قصص قرآني في موضوعات معينه كما في الموضوعات المتعلقة (بالآلهة و الرسل و المعجزات ) مشيرا إلي أن هذا الأمر هو الذي يتفق مع طبيعة الدعوة الإسلامية و يجري مع طبائع الأشياء وقت ظهورها؛ لأن أكثر القصص القرآني مكي. وفي مكة لم تتجه الدعوة إلي غير المسائل الكبرى من قضايا الأديان، ومن هنا كانت الوحدة التي عبر عنها القرآن.

فيرجع الدكتور خلف الله القول بأن الوحدة الموضوعية هي الأداة الصحيحة للتعامل مع القصص القرآني بالتفسير و التوضيح؛ حتى يمكن الوقوف علي أبراز أهداف النص القرآني المعني بالدراسة مبينا السبب في إخضاع دراسة القصص القرآني علي أساس الوحدة العضوية للأسباب التالية:

1- إهمال القرآن حين يقصد لمقومات التاريخ من زمان و مكان، فليس في القرآن الكريم قصة واحدة عني فيها بالزمان. أما المكان فقد أهملها إهمالا لا يكاد يكون تاما لولا تلك الأماكن القليلة المبعثرة هنا و هناك و التي لم يلفت القرآن الذهن إليها إلا عرضا.

2- اختيار لبعض الأحداث دون بعض، فلم يعني القرآن بتصوير الأحداث الدائرة حول شخص أو الحاصلة في أمة تصويرا تاما كاملا و إنما كان يكتفي باختيار ما يساعده علي الوصول إلي أغراضه أي ما يلفت الذهن إلي مكان العظة و موطن الهداية. ولعل من أجل ذلك كان القرآن يجمع في الموطن الواحد كثيرا من الأقاصيص التي تنتهي بالقارئ إلي غاية واحدة.

3- لا يهتم النص القرآني بالترتيب الزمني أو الطبيعي في إيراد الأحداث و تصويرها و إنما كان يخالف في هذا الترتيب و يتجاوزه الأمر الذي أكثر من الإشارة إليه ( ).

4- إسناد بعض الأحداث لأناس بأعيانهم في مواطن ثم إسناد نفس الأحداث لغير الأشخاص في مواطن أخرى، ويستشهد على ذلك بقوله تعالى في سورة الأعراف: (قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ).

فيقول:إذ نراه في سورة الشعراء مقولا على لسان فرعون نفسه قال تعالى: (قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ) و كذلك نجد في قصة إبراهيم من سورة هود أن البشرى بالغلام كانت لامرأته بينما نجد البشرى لإبراهيم نفسه في سورة الحجر و في سورة الذاريات( ).

و من خلال هذه الدراسة يدعم الدكتور خلف الله وجهة النظر التي اعتمدت على دراسة القصص القرآني على أساس من الدراسة الأدبية، فالآيات المكية في القرآن تتخلل مدنية، و المدنية تتخلل مكية و ما يوافقها من تغير العناصر القصصية حسب الهدف التي نزلت من أجلها الآيات، و كان ذلك دافعا عند الدكتور خلف الله للأخذ بالوحدة العضوية عند تناول القصص القرآني بالتفسير.

2- دراسة القرآن ذاته:

وهي دراسة تعتمد علي تتبع العناصر القصصية من آية لأخرى، والكلمات من آية لأخرى وهي دراسة منهجية أدبية اتبعها الدكتور خلف الله عند تناول القصص القرآني بالتفسير فعند تعرضه للآيات التي ذكرت اليهود قال: أن هذه الآيات وصفت اليهود بعدم الوفاء بالعهود. فقد كانوا ينقضون الأيمان بعد توكيدها وقد كانوا ينكثون في كثير من الأمور التي اتفقوا عليها مع موسي عليه السلام. وأشار قائلا في الآيات التي تدل علي ذلك المعني في قوله تعالي: (وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ * أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)( ) كما أشار الدكتور خلف الله إلي خلق اليهود في قوله تعالي:( وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)( ) ( ).

وعند تعرضه لقوله تعالى : (كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ* إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ * تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ)( )

يقول
وعلى هذا فأنت ترى أن القرآن يختار من المواد الأدبية القصصية ما يحقق الغرض ويوفي بالقصد ، وأنه يعرض عما عداه من أحداث وأشخاص وتفصيلات ، ومن هنا لا تستطيع أن تقول بأن هذه القصة تقصد إلى تعلم الوقائع والتعرف بالتاريخ ، وإن كنا نستطيع أن نقول إنها قصة أدبية نزلت لقصد عاطفي هو التخويف و الإنذار .( )
 
اعتمد الدكتور خلف الله علي تتبع العناصر القصصية من آية لأخرى؛ وذلك لبيان وإثبات أدبية القصص القرآني، التي أغفلت عنصر الزمان أو المكان أو نسب بعض الأحداث لأشخاص آخرين من موضع لاخر في القرآن الكريم، مقرا بأهمية أن تكون الوحدة هي الغرض القصصي فتكون هذه القصة للتخويف وتلك للإنذار وهذه للعظة وتلك لتثبت قلب النبي علية أفضل الصلاة والسلام.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط