الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض يكتب: هذا هو الإسلام

صدى البلد

إذا تتبعنا منهج الإسلام الحنيف الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من ربه وجدناه يتسم بروح التسامح, ويمُن المعاملة , وجميل الصحبة, ويسر الأحكام المفروضة.

فالله سبحانه وتعالى بين لنا في بداية الأمر أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لسفك الدماء ولا لسلب الأراضي والأموال, ولا إرهاب الناس وإخافتهم, وإنما كان مبعثه رحمة وهداية للعالمين بأسرهم "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين" (الأنبياء:107(

فكان بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القدوة للجميع في تقرير مبدأ التسامح والتراحم على مر التاريخ . ونجد أيضًا التوجيه الرباني واضحًا في أكثر من موضع في الكتاب العزيز للنبي صلى الله عليه وسلم إلى الأمر بالعفو والصفح " فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ ۚ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ" (الزخرف :89) ويقول: سبحانه في موضع أخر " خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ "(الأعراف :199) كما أن الله سبحانه وجه المؤمنين إلى الفئة التي يكون التعامل معها من غير المسلمين في قوله تعالى " لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ "(سورة الممتحنة :8) وهناك الكثير من الـأدلة الآخرى من القرآن الكريم التي تدل على تسامح الإسلام.

وأما السنة النبوية فهي حافلة بالنصوص الكثيرة في موضوع التسامح ؛ فقد وردت عدة نصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم تشير إلى تسامح الإسلام وحسن الأسلوب الذي كان يقرره في التعامل بين الناس بضعهم البعض ومن ذلك : قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أي الأديان أحب إلى الله ؟ قال : الحنيفية السمحة )) .

وعفو النبي صلى الله عليه وسلم عن مشركي مكة يوم فتحها هو دليل واضح على تسامح الإسلام, وحسن معاملته مع غير أتباع ملته فعندما تم الفتح الأكبر لمكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمشركي مكة : (( ماتظنون أني فاعل بكم ؟ قالو : أخ كريم وابن أخ كريم . قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء )) . وعندما عاتبه بعض أصحابه على ذلك قال لهم لعل الله يخرج من أصلابهم من يهدي به إلى الإسلام . وغيرها من الأدلة الأخرى والآثار التي تؤكد على مبدأ التسامح في تاريخ الإسلام الخالد . والتسامح بطبيعة الحال عدة أنواع , فهناك التسامح الديني والتسامح الفكري.

فالتسامح الديني هو : التعايش بين الأديان جميعًا , وحرية ممارسة الشعائر في جميع الأديان بدون تعصب أو إكراه في دين دون دين , وهذا التسامح قرره القرآن الكريم بقوله تعالى " لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" (البقرة :256) . كما قرره التاريخ الإسلامي من خلال الفتوحات الإسلامية التي كانت على مر الدهور والأيام فقد كانت الوصايا الموجهة لقادة الجيوش الإسلامية في المعارك والغزوات متضمنة عدم مهاجمة رجال الدين والنساء والأطفال, ولا التعدي على أماكن العبادة من الكنائس وغيرها.

وأمر القرآن الكريم بجدال أهل الديانات الآخرى بالحسنى هو دليل واضح على تسامح الإسلام وحسن منهجه , وطرقه في دعوة غير المسلمين يقول تعالى " ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ "(النحل :125) . وأما التسامح الفكري فالمقصود به حرية التعبير عن الرأي, وتقرير مبدأ الإحترام في الخطاب , وعدم التعصب للآراء الشخصية .

وأمر الإسلام بمجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن هو دليل على تسامح الإسلام الفكري وتشجيع على إثراء النقاش والحوار الهادفين بين البشر يقول تعالى " وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ "(العنكبوت : 46), ونحن إذا نظرنا إلى أسس التسامح في الإسلام , والأمور ذات الأهتمام بالمعاملة الحسنة لوجدنا أنها تنصب في عدة نقاط كالأتي :

(1) رسخ الإسلام في قلوب المسلمين أن الديانات السماوية تستقي من معين واحد , وهدفها هدف واحد , وهو الإيمان بإله واحد وهو الله - عز وجل - لا معبود سواه من أجل عموم التسامح بين جميع العباد لا فرق بين أحد إلا بالتقوى, قال تعالى " شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ" (الشورى :13)

(2) رسخ الإسلام من أجل التسامح في قلوب المسلمين ان الأنبياء إخوة, لا تفاضل بينهم من حيث الرسالة , ومن حيث الإيمان بهم؛ ذلك لأنهم جاءوا من اجل تحقيق غرض واحد متفقون عليه, ومأمورون بتبليغه من غير زيادة أو نقصان وهو تقرير مبدأ الوحدانية لله تعالى , فيجب الإيمان بجميع الرسل والكتب جملة واحده قال عز وجل " قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ " (البقرة :136) لا نفرق بين أحد منهم على الإطلاق , فالكل في نظرنا أنبياء ونحن له مسلمون , وبهم مؤمنون .

(3) رسخ الإسلام تحت مظلة التسامح أنه لا إكراه في الدين , فالعقيدة الإسلامية ينبغي أن يستقبلها القلب والعقل بشكل واضح , وبشكل جلي وما انتشر الإسلام يومًا تحت ظل السيف أو الإكراه ولم يجبر أو يعاقب شخصًا من أجل الدخول في الإسلام قال تعالى: " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (البقرة :256)

(4) رسخ الإسلام من أجل التسامح أن دور العبادات على اختلافها لها قدسيتها في نظر المسلمين, فها هو القرآن الكريم يقول : " وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ " (الحج : 40) .

(5) حبب إلينا الإسلام التسامح والبر بأهل الكتاب, وحسن الضيافة معهم, كما أنه شرع مجادلتهم بالحسنى والتعايش معهم فها هو القرآن الكريم يقول للمسلمين : " وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ" (المائدة :5) .

(6) يقرر الإسلام أنه لا عداوة بين المسلمين وغيرهم , لمجرد كونهم غير مسلمين , وترك الأمر ليوم القيامة , اللهم إلا إذا اعتدي على المسلمين, أو وقفوا في طريق دعوة المسلمين حجر عثرة, عند ذلك قال القرآن الكريم : " وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ۚ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ"(البقرة:113) . وإذا تطرقنا لضرب بعض الأمثلة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم على التسامح في هذا الدين الحنيف لوجدناها كثيرة جدًا ومنها على سبيل المثال لا الحصر: قبول النبي صلى الله عليه وسلم هدية المقوقس ملك مصر وهي الجارية التي أنجبت إبراهيم عليه السلام ولد المصطفى صلى الله عليه وسلم, ومنها استقباله صلى الله عليه وسلم لوفد نصارى الحبشة, وأكرمهم بنفسه وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين, وإني أحب أن أكافئهم)) .

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخدم التسامح ويستعمله حتى مع المنافقين الذين يعرف أنهم كذلك, ومع أنهم يمثلون أعداء الداخل فلقد عفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن أبي سلول مرارًا, وزاره عندما مرضه, وصلى عليه بعدما مات, ونزل على قبره, وألبسه قميصه, وهذا الرجل هو الذي آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرضه يوم حادثة الإفك؛ فيقول عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أتصلي عليه وهو الذي فعل وفعل ؟ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( يا عمر, إني خيرت فاخترت قد قيل لي : " اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ" (التوبة : 80) ولو أعلم أني لو زدت على السبعين غفر له لزدت )) , فنسخ جواز الصلاة عليهم بقوله تعالى : "وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ"( التوبة:84), لكن التسامح لم ينسخ أبدًا.