الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رغدة علاء تكتب: من الجانى!؟‎

صدى البلد

" اتعرضتي للتحرش قبل كده؟ ".سؤال تخجل الكثيرات من التفاعل معه, فيمتنعن عن الإجابة خشية أن يلقى اللوم عليهن أو أن توجه لهن نظرات الازدراء وكأنهن موضع اتهام بدلا من الجاني الحقيقي وهو "المتحرش" , وهنا وجب أن نتوقف أمام تلك الظاهرة وننظر إليها بعين المنصف حتى نستطيع أن نحدد من الجاني ومن يستحق أن يلاحق بالعتاب ويوصم بالعار.

وأعجب من طرح هذا السؤال, فالإجابة البديهية لأي متلق له هي أن اللوم والعتاب بالتأكيد يقع على المتحرش, ولكن عذرا سيدي !! أود أن أخبرك بأن مجتمعنا له طابعه الخاص, فستصدم حين تسمع البعض يردد بأن الجاني في قضية التحرش الجنسي هي الفتاة "الضحية" في أغلب الأحيان, الفتاة التي يهتك عرضها هي الجاني والمجني عليه في ذات الوقت.

وعند النظر الي التطورالتاريخي لهذه الظاهرة نجد أنها تدرجت في مراحلها كأي ظاهرة, فكان التحرش قديما لا يتعدى التحرش باللفظ والذي يمثل أذى معنويا للضحية, ثم أخذ التحرش في التطور حتى وصل الى أقبح صوره في تلك الأيام فأصبح تحرشا جنسيا صريحا.

فالأمر أصبح معتادا في شوارعنا بكافة صوره وأشكاله, كل ماترغبه وما لا ترغبه في هذا الشأن تجده هنا. المشهد العابر الذي أصبحيتكرر يوميا بشكل سخيف في الطرقات والأزقة والحواري, وسط حالة من الصمت والتخاذلمن قبل المارة أحيانا ومن قبل الأسرة -اسرة الضحية- غالبا, فالمارة عند رؤيتهم لمثل تلك الحادثة منهم من يستاء ويحزن ولكنه يتظاهر بعدم رؤيته للموقف وينئى بنفسه عن المشكلات, ومنهم من يكتفي بتوجيه النصح للمتحرش -وكأنه طفل سرق قطعة حلوى وفر هاربا- ويذهب الى حيث يمضي, والقليل منهم من نجده يدافع عن الضحية بكل ما أوتي من قوة وكأنها احدى أخواته أو بناته. وهنا فأنني لا أحرض على العنف أو أن يقوم هذا الرجل -ذو المرؤة- بالتعدي بالضرب على المتحرش ولكن أضعف الايمان هو ان يساعد تلك المسكينة في الأخذ بحقها وعدم التنازل عنه.

وفي سابقة تعدالأولى من نوعها شهد المجتمع المصري منذ ايام حصول أول فتاة صعيدية (قنائية) على حكم من المحكمة يقضي بالسجن ثلاث سنوات ضد متحرش بتهمة التحرش والتعرض لها والتعدي عليها بالضرب أيضا عند محاولتها الأخذ بحقها!!
ولعل البعض تنتابه الدهشة عند سماع أنها السابقة الأولى من نوعهاوأنها يجب أن تكون المائة او الألف قياسا على ما نشهده يزميا من حالات تحرش,ولكني اقول لكم نعم عزيزي القارئ هي الحالة الأولى التي تحصل على حكم قضائي عادل, فالكثيرات -وخاصة فى القرى- يخشين حتى تحرير محضر بالواقعة خوفا من " كلام الناس" ,وذلك بالطبع نتيجة الضغوطات التي تمارسها الأسرة على ابنتها الضحية لاجبارها على الصمتوعد جلب العار للعائلة , فالأمر سيتعلق بسمعتها فيما بعد وسط أهل القرية وكأنهن هن المحرشات ولسن المتحرش بهن.

وبالبحث في سبل لمعالجة -لست أقول ظاهرة التحرش لأنها من الواضح أنها أصبحت واقعا لا مفر منه- ولكنني أعني سبلا لمعالجة تلك النظرة المهينة التي توجه الى الفتاة -التي تتعرض لمثل تلك الحادثة- من جانب مجتمعها , والتي فرضتها العادات والتقاليد "المبجلة" على عقولنا من أنه ينبغي أن ينظر الى الفتاة على أنها دائما المخطئ والجاني, فهي من تثير المتحرش حتى يتحرش بها في وصف دقيق له بكلب يلهث على قطعة لحم فقطعة اللحم هي التي أثارته حتى ينقض عليها!

فسبل العلاج يجب وأن تبدأ من المجتمع المصغر وهو "الأسرة", فيلزم عليها أن تشجع بناتها على الأخذ بحقهن اذا ما تعرضن للتحرش وتوعيتهن بأنه لايجب أن يتنازلن عنه تحت أي ظرف من الظروف ومهما كانت المغريات, وأن يضربن ب "كلام الناس" عرض الحائط.

فلن تشعر الفتاة بعزة النفس الا في حالة أن تسترد حقها وتقيم القصاص العادل عن طريق تحرير محضر بالواقعة والاستمرار حتى تنفيذ الحكم وعدم الاستسلام لعروض التنازل الثمينة. أيضا تعميم الشرطة النسائية وقسم الشكاوى الخاص بحقوق المرأة داخل كل الأقسام والنقاط الشرطية في كل قرية حتى يسهل على الفتاة تقديم الشكوى وتحرير المحضر. كذلك العمل على نشر تلك الثقافة بين الفتيات.

وأخيرا فان الضحية لا يصلح أن تكون المجني عليها والجاني , ولا يجب أن يشار اليها بأصابع الاتهام والاحتقار لمجرد أنها عزمت على استرداد حقها, كما ينبغي على المجتمع أن يغير من موروثاته القبيحة التي تحكم حيوات البشر بلا أدنى حق في ذلك. وعلينا جميعا أن نقف بجوار المظلوم, فالظلم ظلمات يوم القيامة...