الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وَجَعْ القُلُوبْ


مضى أكثر من أربعين عامًا بين أغنية (تعب الهوى قلبي) للفنان العملاق محمد فوزي وأغنية (يا وجع قلبي) للفنانة الشابة مي كسَّاب، امتلأت تلك الفتره بمئات الأغنيات التي تناقش قضية (تعب القلوب)، مما جعلني أُحَدِثَكُم عن هذا الموضوع في السطور القليلة القادمة، ولكن سأقوم بداية بسَرْدِ قصة قصيرة من الأدب الصيني القديم.

يُحْكَى أنَ طفلًا في العاشرة من عمره، يعيش مع أسرته في بلدة ريفية صغيرة، كان دائم الشِجَار والعِراك مع أصدقاءه، فكان يُغْضِبُهم اليوم ويصالحهم بعد أيام قليلة، وهذا ما لفت نظر جده (الشيخ الحكيم) حينما جاء من بلدته المجاورة ليزورهم ويقضي معهم بضع أيام، فأراد الجد أن يُعَلِّم الصغير درسًا في الحياة، فقال له ناصحًا: يا بُنَي لا تتشاجر وتتشاحن مع من تحبهم لأسباب بسيطة يمكن تجاوزها، خاصة وأنك تُحِبُّهم وتعود لمصالحتهم لأنهم أصدقائك.

فقال الطفل للجد الحكيم: لا توجد مشكلة يا جداه لأني أغضبهم اليوم وأصالحهم غدًا وقد اعتادوا على ذلك.

فقال الجد للصغير: تعال نتفق اتفاقًا يا صغيري، سأُحْضِر لك مجموعة (مَسَامِير) ومِطْرَقَة صغيرة (شاكوش)، وأداة لنزع المسامير، وعليك كلما أغضبت أحدًا من أصدقائك أن تقوم بدق مسمارًا في سور الحديقة الداخلي، وإذا قمت بمصالحة هذا الصديق عليك بنزع المسمار من مكانه، ونرى النتيجة حينما أعود لزيارتكم في الشهر المقبل.

وبالفعل التزم الطفل بتنفيذ الاتفاق، وكلما أغضب صديقا له قام بدق مسمارًا في سور الحديقة، وكلما تصالح معه قام بنزع المسمار.

وقد حرص الطفل على مُصالحة جميع أصدقائه قبل نهاية الشهر حتى يتمكن من نزع جميع المسامير قبل لقاء جده.

وبعد انقضاء الشهر أتى الجد الحكيم لزيارتهم في الموعد المُتفق عليه مع الطفل، وذهبا معا إلى سور الحديقة، وإذا بالطفل يُبَادر بالحديث إلى جده قائلًا: أنظر يا جَدي لا توجد مسامير في السور، لقد نزعت خمسة مسامير من السور بعد أن صالحت أصدقائي الخمسة الذين أغضبتهم وأخطأت في حقهم.

وهنا ابتسم الجَدُّ وقال للصغير: أنت بالفعل قمت بمصالحة أصدقائك وقد أحسنت في ذلك، لكن أنظر إلى السور لقد ترك كل مسمار أثرًا محفورًا في الخشب، حتى وإن تم نزع المسامير وترميم السور وطلاءه ومحاولة إخفاء الثقوب، سيظل أثرها غائرًا في قلب الخشب.

هذا فِعْلُ المسمار في الخشب، فما بالك من جرح القلوب..

أصدقائي وأحبابي القُرَّاءْ أرجو أن تكون الرسالة وصلتكم، إن جرح القلب (خاصة قلب المُحب) قد يتداوى ولكنه حتما سَيُبْقِي أثرًا لا تمحيه الأيام حتى وإن حاولنا تضميد الجراح.

ولذلك أُوصِيكُم جميعًا ألا تجرحوا قلبًا يحبكم زاعمين أن الأيام ستُدَاوي الجراح، لأنه مهما تداوى جرح القلب فإنه لابد وأن يترك أثرًا، وربما يكون أثرًا عميقًا غائرًا.

أصدقائي إياكم و(وَجَع القُلوب)،،،، دمتم بحب وفن.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط