الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كل سنة و أنتِ طيبة يا مصرنا


اليوم عيد الأم، كل عام و أمهاتنا جميعا بخير، ذلك العيد المصرى مثل أعياد كثيرة مصرية، حيث أننا و بموروثنا و فطرتنا نحب الفرح والمناسبات ونقدس مشاركتها ، فلابد أن تجتمع العائلة فى المناسبة (أى مناسبة) حتى وإن كانت تلك المناسبة مشاهدة مباراة لكرة القدم، ولكن هناك القليلين يجعلون من تلك الفطرة مادة سخرية و تأكيد على فراغ الشعب المصرى، والحقيقة عكس ذلك، تلك الفئة مسكينة حيث يمتنعون عن التمتع بدفء المشاعر الحقيقية التى تنتج من هذه التجمعات، يحرمون أنفسهم من فطرة جميلة تشعرك بجذورك الضاربة فى الأرض، و يصرون على السير عكس اتجاه الطبيعة.

العادات و التقاليد و الموروثات وسمِها ما شئت هى الشيء المميز للأمم، هى الجذور الحقيقية التى وإن تمسك بها شعب من الشعوب تكون بمثابة الوتد الذى يثبته فى أرضه، بينما التغريب ومحاولة تشويه المجتمعات بالبعد عن موروثاتها، تارة بدعوى التحضر والمدنية، وتارة بدعوي التدين - التطرف الفكرى- وأخرى بدعوى أنها أفكار قديمة ليس لها محل أو جدوي، إنما ذلك تغريب مقصود دون شك و محاولة لفك منظومة القيم الإجتماعية لأصحاب الهوية الواحدة .

نحن المصريون منذ فجر التاريخ متمسكون بتلك العادات، والتجمع علي مائدة واحدة واقتسام الطعام، نفهم المصطلح المصرى الخاص (البيت الكبير) أى بيت العائلة، نجتمع فيه مع كل مناسبة، الحقيقة أننا فى حالة مقاومة دائمة لكل فكر اجتماعى مغلوط يحاول السيطرة علينا، نقف أمامه و نصده دون أن يشعر باهتمام فيذوب وسط صخب وازدحام الشوارع والمقاهى ويعود أدراجه مضطرا.

هذا ليس إنشاء وإنما حقيقة واقعة، تجعلنا قادرين علي الإبتسام فى أصعب الظروف، و سعداء بأبسط الأشياء، كم من عام مضي و يخرج علينا أحدهم بقول (عيد الأم حرام) فهل استطاع أن يغير من موروثنا بتلك الأفكار؟ والتى يسعي بكل ما يملك من قوة أن يغير بها التركيبة الإجتماعية المصرية، قطعا لا، وهذا معني أنها حقيقة واقعة.

الأم المصرية تسعد بأبسط الأشياء، وإن قدم إليها أولادها شيئا ليس له قيمة مادية، ولكنها فى نفس الوقت تحزن وتعاتب إن لم يتذكروها أو يقدموا لها شيئا، هل تعلمون لماذا؟ لأن الفتاة و إن لم تشغلها تلك الأفكار فى صغرها و لكنها بعد أن تصبح أم تتحول إلي معلمة بالفطرة فهى توجه وتعلم وتقود وتدبر وتعاتب صغارها لتخرج علينا جيلا بعد ذلك من الأمهات يفعلن ما كانت تفعله، ومن أهم ما تفعله هو التمسك بالتقاليد الجميلة ونقلها لأولادها وحكيها عن ما كانت تفعله مع أمها فى تلك المناسبات مما يرسخ فى وعى أطفالها صورة ذهنية حقيقية عن جذور و قيم اجتماعية ، التمسك بها يجعل المجتمع كله فى حالة من التلاحم، والترابط .
إن هذا لهو من أسرار المصريين وإن كنا نبدو فى بعض الأحيان لم نعد كتلة صلبة، ولكننا فى الحقيقة نظهر قدرتنا علي التلاحم ونسيان الخلافات والإختلافات مع وجود أى موقف يحتاج لاتحادنا معا، ولنا فى المواقف التى نسمعها عن بطولات الشهداء ومواقف أمهاتهم و جسارة زملائهم فى الدفاع جنبا إلي جنب معا، ومواقفهم مع أمهات الشهداء بعد ذلك ما يجعلنا فخورين بالأم المصرية حقا، وفخورين بتربيتها لرجال حقيقيين، ولأمهات حقيقيات أيضا .

قد ترسخ فى أذهاننا جميعا أن حب الوطن لا يقل عن حب الأم، فنشأنا علي صورة فى خيالنا أن بلدنا هى الأم التى نجتمع كلنا تحت مظلتها، وإن كان البعض يحاول أن يجعل من ذلك الشعور مزحة سخيفة و غير مقبولة، فدورنا أن نظل علي طريقنا، نزرع الإنتماء فى وجدان أبنائنا لأنه هو معني حب الأم الكبيرة مصر، ألا نسعد بالمزحة الممزوجة بتغريب الوجدان، لا ننبهر بعرض الأفكار التى تحمل بين سطورها هدم الشعور الجارف بحب الأم الكبيرة، لا نساعد فى التقليل من شأن حب الوطن بدعوي الحرية .
وهكذا نكون قد عيدنا علي أمنا فى عيدها . كل عام و أنتِ بخير يا مصر .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط