الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د.محمدأبوسمرة : ذكري النكبة والحاجة للمصالحة

صدى البلد

في ظلال الذكرى السبعين للنكبة الكبرى في فلسطين والتي تصادف 15مايو/آيار 1948 ، حيث تم إعلان قيام دولة الكيان الاستعماري الصهيوني فوق غالبية الأراضي الفلسطينية التي تم احتلالها حتى ذلك الحين لاتوجد على وجه الأرض.

 لا توجد في العالم مظلومية تضاهي مظلومية الشعب الفلسطيني الصابر المرابط ، ولا يوجد شعب في العالم قدَّم الحجم الهائل من التضحيات دفاعًا عن وطنه ومقدساته ومعتقداته ودينه وأمته، مثلما قدَّم الشعب الفلسطيني، ولايوجد شعب في العالم يمتلك القدرة الهائلة على الصبر والجَلَد واستمرار التضحية والعطاء مثل الشعب الفلسطيني ، فهو الشعب الوحيد على وجه الأرض الذي يواصل التصدى لكافة أشكال القمع والقتل والذبح والتهجير والإعتقال والمؤامرات العنصرية والإحتلالية منذ أكثر من مائة عام ، أي منذ تأسيس الحركة الصهيونية العالمية في المؤتمر الصهيوني الأول بتاريخ 29/8/1879 نهايات القرن قبل الماضي .... إنَّه الشعب الفلسطيني العظيم المجاهد الصابرالمرابط الأصيل المظلوم الذي لايعرف اليأس والهزيمة والانكسار والإحباط والخوف والتردد ، فهو شعبٌ ترعاه عين الله ، وهو مستمرٌ بعون الله ومدده ورعايته وعنايته ولطائفه ورحمته في الرباط والصبر والمصابرة والجهاد والمقاومة منذ أكثر من مائة عام ، وهو صاحب أعدل قضية على وجه الأرض ، فهو الشعب الذي لم تتمكن جميع الدسائس والمؤامرات الكونية من تذويبه وإضاعة هويته الوطنية والقومية والدينية ، ولم تستطع كافة جرائم واعتداءات ومؤامرات وتوحش وافساد وجبروت وعلو العدو الصهيوني المجرم من إحباطه وتيئسه ، وجعله يتوقف عن أداء واجبه الشرعي / الوطني / القومي / الإنساني / الأخلاقي تجاه قضيته العادلة المقدسه :( القضية المركزية للأمة الاسلامية والعربية ) ، لأنَّه الشعب الذي اختصه الله لمهمة الرباط فوق ثرى بيت المقدس وأكناف بيت المقدس وفلسطين / الأرض التي باركها الله وبارك ماحولها ، بوابة السماء / أرض الرباط / دُّرَّة الكون / مسرى نبي الله الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ومعراجه الشريف نحو السموات العُلا، ولأنَّ فلسطين المباركة الطاهرة الحبيبة بوابتنا ، وبوابة الأمة والبشرية نحو السماء ، وهي ارض المحشر والمنشر ، فهي وشعبها العظيم برعاية الله ولطفه وكرمه إلى يوم الدين ، وهي خط التماس المباشر بين منهجي الصراع الكوني : منهج الحق المتمثل في الإسلام المحمدي النقيِّ الأصيل الوسطي المعتدل ، ومنهج الباطل المتمثل في التحالف الصليبي الغربي / الصهيوني ، الذي زرع وجسَّد الغدة السرطانية ( إسرائيل ) في قلب الأمة الاسلامية والعربية ودرة الكون فلسطين.
ومع حلول الذكرى السبعين للنكبة الكبرى في فلسطين ، تنهمك دولة الاستعمار الصهيوني بتعزيز قوتها العسكرية ، رغم ما تعانيه من مشاكل جدية لاثبات هذه القوة أمام الغير وأمام نفسها، ولهذا طوَّرَت مؤخرًا قيادة جيش العدو مصطلحات ومفاهيم وتعابير جديدة ، مثل ( تدفيع الثمن )، و(تصفية الحساب ) ، و(نظرية الضاحية) ، وغير ذلك من المفاهيم العدوانية الهمجية ، وقد تم تطبيق هذه المفاهيم بأساليبٍ وحشية وأدوات ووسائل تدميرية وتخريبية ، واستخدام قوة وكثافة نارية هائلة وشديدة في العدوان الأخير ضد الضفة المحتلة وقطاع غزة صيف عام 2014 ، ومازالت تطبق في الاعتداءات الصهيونية اليومية ضد الشعب الفلسطيني المظلوم ، وأظهرت نتائج الحروب والاعتداءات الصهيونية الأخيرة أنَّ هناك ثمة معادلة جديدة ، ولهذا شَرَعَ الجيش الصهيوني بتغيير استراتيجيه والكثير من مفاهيمه ، دون أن يُضعِف نهمه الاستراتيجي لامتلاك المزيد من الأسلحة النوعية والمتطورة ، وعاد للتركيز مجددًا على القوات البرية عمومًا وقوات النخبة خصوصًا ، وأنشأ لواء كوماندوز تخوفًا من مواجهات أوسع مع المقاومة الفلسطينية واللبنانية، خصوصًا أنَّ الدبابات لم تعد رأس الحربة في المعارك البرية ، بل إنَّها أصبحت تابوتًا للجنود الموجودين فيها.

ولتغيير المعادلات العسكرية وتوازن الردع والعدوان ، اشترت دولة العدو سربًا آخر من طائرات (إف 35 / الشبح) المتهرّبة من الرادار ، ليصبح الإجمالي خمسين طائرة من هذا النوع المتطور ، واشترت أيضًا العام الماضي ثلاث غواصات اضافية جديدة من طراز (دولفين ثايسينكروب ) بهدف تجديد الأسطول البحري الصهيوني ، مع ما رافق ذلك من فضائح واتهامات بالفساد وتلقي الرشوة لرئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهيو وبعض مساعديه.

 وتم التوقيع على الصفقة مع ألمانيا في شهر تشرين أول / أكتوبر 2017 الماضي ، بعد أشهرٍ من تجميد المفاوضات ، إثر شبهات فساد شابت العملية ، وهي غواصات مخصصة لمهمات التجسس، قرب المياه الإيرانية أو لمهاجمة هذا البلد في حال حصول حرب نووية، بحسب خبراء عسكريين أجانب ، ويمكنها حمل صواريخ نووية، واعتبر نتانياهو، أنَّ : (مذكرة التفاهم هذه تشكل أهمية استراتيجية لأمن إسرائيل، وتوقيعها يعكس التزام ألمانيا والمستشارة أنغيلا ميركل بأمن إسرائيل والتعاون العميق بين البلدين).

وفي جانبٍ آخر يسعى جيش العدو لتأكيد حضوره وتأثيره في المجتمع الصهيوني إثر تراجع هيبته وقيمته ، حيث كان الشبان من المستعمرين الصهاينة يتدافعون في السابق للتجنُد في الجيش الصهيوني ، الذي كان يُشكِّل لهم مصدر الفخر ، وبوابة التقدم والصعود الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الصهيوني.

 ولكنَّ حاليًا لم يعد هذا هو الحال ، وأخذت ظاهرة تمرد المُجَنَّدين الصهاينة بالتزايد ، لكي لايتم إدراجهم في سلاح المدرعات ، وبات الصراع على أشده داخل الجيش الصهيوني بين المتدينين والعلمانيين حول خدمة الفتيات في الوحدات القتالية وخصوصًا في سلاح المدرعات ، واضطر الجيش الصهيوني بين الحين والآخر لتعيين حاخام متطرف كبير للحاخامات العسكريين ، لعدم قدرة الجيش على مواجهة النفوذ المتزايد للمتدينين داخله ، مما ترك آثاره السلبية والمتوترة على العلاقة بين المتدينين والعلمانيين داخله.

ومن أجل لفت الأنظار عما يعانيه الجيش والكيان الصهيوني من مشاكل عميقة يمكنها أن تؤدي مستقبلًا إلى صراع داخلي وتفَّسُخ ، يكرر رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو بين فترةٍ وأخرى ، اتهامه للفلسطينيين والعرب والمسلمين بـــ : ( التآمر من أجل إبادة إسرائيل)، بينما يجد اليمين الصهيوني المتطرف نفسه في ورطة، فهو بحاجةٍ دائمة لإظهار أنَّ : ( الدولة العبرية في خطر ، وأنَّ لا أحد فيها قادر على حمايتها أكثر من اليمين)، ويدرك أن مواصلة سياسة التهويل والتخويف من شأنها مع مرور الوقت أن تمس بالصورة التي يحاول تأكيد وجودها في المحيط الفلسطيني والعربي والإقليمي.

 وقد برهنت الكثير من الأحداث على أنَّ الكيان الصهيوني الذي يستعد دومًا لمواجهة الحرب ، يظهر في مواجهة أية طوارئ أوكوارث طبيعية في وضعٍ بائس ، وكشف مراقب الدولة الصهيونية في تقريره مؤخرًا عن العدوان الصهيوني الأخير على غزة أثناء تعداده لأخطاء وتجاوزات حكومة نتنياهو ، أنَّ : ( الحرب لا تواجه بالحديث عنها، ولا بالحديث عن الاستعدادات لمواجهتها، وإنما أيضا بالعمل من أجل منع وقوعها). 

ورغم أنَّ دولة العدو تورطت في العديد من الحروب والاعتداءات ضد لبنان وقطاع غزة ، إلا أنها عجزت عن حسمها ولم تحقق من ورائها أية إنجازات ، وعجزت كذلك عن منع وقوعها ، خصوصًا أنَّ الحروب لم تعد نزهة وأصبحت مكلِّفة للغاية ، والأهم من ذلك أنها أصبحت فقيرة الأهداف ، سوى الرغبة الصهيونية في الانتقام من الفلسطينيين واللبنانيين والعرب.

 ورغم أنَّ الدولة الصهيونية تحاول إبعاد تهمة ونزعة التوحش والإرهاب والانتقام عنها ، بالحديث عن الردع كقيمة عليا في استراتيجيتها العسكرية والأمنية ، إلا أنَّ التوحش والانتقام والإرهاب الصهيوني بقي العامل الحاسم في رسم أهداف العدوان لديها ، وأصبح المجتمع الاستعماري الصهيوني يتجه أكثر، فأكثر نحو التوحش والإرهاب واليمينية والتطرف والعدوانية والعنصرية ، وأظهرت استطلاعات الرأي الصهيونية ، أنَّ أحزاب اليمين الصهيوني المتطرف والأحزاب الدينية الأكثر تطرفًا وعنصرية ، سوف تحصل على الأغلبية في الانتخابات التشريعية المقبلة.

وفي تحدٍ واضح لحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة والتاريخية المدعومة بقرارات الشرعية الدولية والأمم المتحدة، وللمجتمع والقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية ، وبالتزامن مع القرار العنصري للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أعلنه يوم الأربعاء 6/12/2017 الماضي واعترف فيه بالقدس المحتلة عاصمةً موحدة أبدية للكيان الصهيوني ، أكد بنيامين نتنياهو أن حكومته ستواصل بناء المستوطنات في القدس الشرقية وضواحيها وخصوصًا في البلدة القديمة ، وقال : ( نحن نعيش في دولة يهودية وعاصمتها القدس، وحائط البراق ليس منطقة محتلة، وسنبني في القدس، وهذا حقنا، ولا تهمني الأمم المتحدة).

ويتركز الاهتمام الأميركي بشكلٍ دائم ، وفي كل الأحوال والظروف ، وأمام كافة التحولات الدراماتيكية والمنعطفات الهامة ، والمتغيرات الجيو/ سياسية في منطقة الشرق الأوسط والعالم على حماية الدولة العبرية ، وتوفير جميع سبل الدعم اللوجيستي والعسكري والتكنولوجي والصناعي والتجاري والمادي ، لتستمر وتبقى هذه الدولة الإستعمارية السرطانية الأكثر تقدمًا وتطورًا صناعيًا وتكنولوجيًا وزراعيًا، والأكثر تفوقًا وهيمنة وقوة وتأثيرًا على المستوى العسكري واللوجيستي والمادي والاقتصادي في المنطقة.

 ولهذا تقوم الولايات المتحدة الأميركية بضخ كافة أنواع الدعم التكنولوجي والعسكري والمالي والاقتصادي والزراعي والصناعي ، لمنع اقتصاد هذا الكيان الاستعماري العدواني الصغير من الانهيار ــــ لأنه لوتوقفت المساعدات الأميركية والغربية للدولة العبرية ، فإنَّ الاقتصاد الصهيوني سينهار خلال ساعات ـــــ ، وليبقَ الاقتصاد الصهيوني متفوقًا على اقتصاديات جميع الدول العربية والإسلامية.

 ورغم أنَّ الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا لم تتوقفا يومًا عن تقديم كافة أشكال وأنواع الدعم للكيان الاستعماري الصهيوني ، منذ نشأته واغتصابه لمعظم أرض فلسطين التاريخية عام 1948، ثم بقية أرض فلسطين بالإضافة إلى سيناء المصرية والجولان السوري عام 1967.

 إلا أنَّ المتغيرات التي تشهدها المنطقة العربية والإسلامية جعلت الولايات المتحدة تنظر بقلقٍ بالغ إلى مستقبله، وامكانية استمرار وجوده السرطاني واغتصابه لقلب الأمة الإسلامية والعربية / فلسطين ، والقلق الأميركي على مستقبل كيان الاستعمار الصهيوني ، يعود إلى الخوف على حاضره ومستقبله وحرصًا على بقائه واستمراره في مناخات وأجواء مريحة له.

ـ وخصوصًا اثر الاستعدادات الأمريكية لنقل سفارة الولايات المتحدة من مدينة تل أبيب المحتلة إلى القسم الشرقي من مدينة القدس المحتلة ، ولطرح مشروعها لتسوية الصراع العربي / الصهيوني ، عبر ما أسمتها بــ ( صفقة العصر/ أو صفعة القرن) ــــ ، ولهذا تواصل إدارة الرئيس دونالد ترامب ضغوطها على القيادة الفلسطينية لعدم الإنضمام إلى المزيد من الإتفاقيات والمنظمات الدولية والأممية ، وعدم الذهاب إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود عام 1967 ، والحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة ، كدولة تحت الإحتلال الصهيوني.

 ورغم ذلك فإنَّ الإدارة الأميركية في المقابل لا تفعل شيئًا لإقناع الفلسطينيين بجدوى الانتظار ، ولا تقدم لهم أية ضمانات عملية وحقيقية لوقف سرطان الاستيطان الاستعماري الصهيوني في القدس المحتلة والضفة الغربية ، ولرفع الحصار الصهيوني الخانق لقطاع غزة ووقف الاعتداءات والتوغلات الصهيونية العسكرية ضد القطاع ، والتوصل لحل عادل للقضية الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف.

 بينما تسابق دولة الاستعمار الصهيوني الزمن لإقامة المزيد والمزيد من المستوطنات وتهويد مدينة القدس المحتلة وضواحيها والضفة الغربية المحتلة ، وتطويق القدس المحتلة ومدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية بجدار الفصل العنصري ، ومصادرة أراضي الفلسطينيين ، إضافة إلى الاعتداءات المُنَّظَّمَّة والمنهجية الحاقدة لقطعان المستوطنين المجرمين بدعم من جيش العدو الصهيوني وأجهزة أمنه على مساجد وكنائس وبيوت ومزارع وأراضي وقرى ومدن ومخيمات الفلسطينيين ، وقلع الأشجار وإشعال الحرائق في الكثير من المزارع الفلسطينية ، وحرق كميات كبيرة من الأشجار والمنتوج الزراعي الفلسطيني ، وكذلك حرق وتدنيس عشرات المساجد في القرى الفلسطينية بالضفة الغربية المحتلة ، وفي نفس الوقت تعمل أميركاعلى عدم انتقال تأثير الأوضاع والصراعات والفتن التي يشهدها الشرق الأوسط إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة ، ويدرك المتابع للسياسة الأميركية حجم ارتباكها وتخبُطها وتناقضاتها وألاعيبها ، لذلك تحاول الإدارة الأميركية الابتعاد عن كل شيء يمكنه أن يسبب لها مزيدًا من الإرباك في المنطقة العربية والإسلامية ، بينما تُمعِن واشنطن والكيان الصهيوني في اثقال كاهل القيادة الفلسطينية بالشروط التعجيزية ، وتضغطان بقوة من أجل إلغاء وتعطيل اتفاق المصالحة الفلسطينية ، وتضعان العوائق أمام تنفيذه ، وتمارسان ضغوطهما لعدم إثارة قضيتي اللاجئين والقدس في أية مفاوضات مقبلة ، والموافقة على حدود مؤقتة لدولة فلسطينية منزوعة السيادة والسلاح ، تقام على جزء صغير ومتناثر من الضفة الغربية المحتلة ، وقطاع غزة ، أي ( دولة الجدار، أو الدولة المؤقتة ) ، شريطة عدم التوجه إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف الأُممي بالدولة الفلسطينة ، وتواصل وتكرر حكومة العدو تهديداتها للفلسطينيين إذا صمموا على التوجه للأمم المتحدة بمنع تحويل عائدات الضرائب الفلسطينية التي تجبيها سلطات الاحتلال من التجار الفلسطينيين ، الذين يستوردون بضائعهم من الخارج عبر ميناء أسدود المحتل.

 وحسب اتفاقيات أوسلو ، واتفاقية باريس الإقتصادية ، فإنَّه يتوجب على الكيان الصهيوني أن يعيد تحويل نحو 80 بالمائة من الضرائب والجمارك التي يجبيها عن الواردات الفلسطينية للضفة والقطاع إلى السلطة الوطنية الفلسطينية).

 ومن أجل المزيد من الضغوط فرضت الولايات المتحدة العديد من العقوبات الاقتصادية والمالية على السلطة الفلسطينية ، فأصدر الكونجرس الأميركي قرارًا بتجميد غالبية المساعدات المالية التي تقدِّمها الولايات المتحدة للسلطة الفلسطينية ، وخفضت الدعم المالي إلى دون مستوى ثلث ما تقدمه لوكالة غوث وتشغيل اللاجئيين الفلسطينيين ( الأونروا) ، وهي رسالة أميركية ذات مغزى في غاية الوضوح ، لكي تدرك القيادة الفلسطينية حجم الخسائر التي ستُمنى بها ، في حال أنها لم تستجب للمطالب والضغوط الأمريكية والصهيونية بعدم الإعتراض على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة ، وعدم التصدي للقرار العنصري الذي أصدره يوم الرئيس الأميركي يوم الأربعاء 6/12/2017 بالإعتراف بالقدس الموحدة عاصمة أبدية للكيان الصهيوني ، وهذه الرسالة تقول بمنتهى الوضوح : ( إنَّ الحصار المالي والسياسي والاقتصادي للقيادة والسلطة الفلسطينية ، لن يقف عند حدود تجميد المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية ووكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين / الأونروا، وتجميد الاحتلال لعوائد الواردات الفلسطينية ، إنَّما سيمتد ليشمل تجميد أموال المانحين التي تقدمها الدول الغربية وغير الغربية ) ، وقد بدأت ملامح هذا الحصار واضحةً للعيان ، وليس من المستبعد أن يتكرر السيناريو الصهيوني / الأميركي لحصار واغتيال الزعيم والقائد والرمز الفلسطيني الراحل الشهيد ياسر عرفات داخل مبنى المقاطعة في رام الله ، مع الرئيس محمود عباس.
ومع استمرار الضغط والابتزاز الأميركي الصهيوني للقيادة الفلسطينية ، وـ م.ت.ف ، والسلطة الوطنية الفلسطينية ، والانحياز والدعم الأميركي الغربي للكيان الصهيوني ، فالولايات المتحدة تحذر وتهدد وتتوعد الفلسطينيين من الاستمرار في انتفاضتهم ومقاومتهم للاستبداد والاحتلال والقمع الصهيوني ، وتواصل ممارسة ضغوطها المجحفة لتفرض على الفلسطينيين القبول بصفقة وصفعة القرن ، التي ستؤدي حتمًا إلى تصفية القضية الفلسطينية وإضاعة كافة الحقوق التاريخية والمشروعة للشعب الفلسطيني ، وفي مقدمتها حق العودة للاجئيين ، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وعاصمتها القدس الشريف ، ورغم أن الفلسطينيين يقبلون (مرحليًا) بـــ 22 في المائة من أرض فلسطين التاريخية ، لكن دولة الاستعمار الصهيوني العنصري ، مدعومة من الإدارة الأميركية ، ترفض وتراوغ وتتهرب وتمارس مختلف أشكال الغطرسة والعدوان والتوحش ضد الشعب الفلسطيني المظلوم ، وتعمل على منع قيام الدولة الفلسطينية ، في المقابل فإنَّ إدارة الرئيس ترامب ورغم كل أشكال القهر والظلم والاضطهاد والتمييز العنصري واليأس والعذابات والمعاناة المحيطة بالفلسطينيين، لا تريد لهم أن يثوروا أويغضبوا أوينتفضوا !!، ولا أن يرفعوا صوتهم عاليًا ليتحدثواعن مظلوميتهم ومأساتهم!!، ولا أن يكون لهم الحق في العيش بحرية وكرامة في ظلال دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
ومن الواضح أنَّ امكانية حصول الفلسطينيين على حقهم في تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة وعودة اللاجئين ، أمر مازال بعيد التحقق ، خصوصًا أنَّ حكومة اليمين الصهيوني المتطرف بقيادة بنيامين نتانياهو نجحت في وأد عملية السلام ، بالتزامن مع تسريع وتيرة التهويد والإستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لفرض المزيد من الوقائع على الأرض، رغم أنَّ استمرار الاستيطان الصهيوني يعتبر خرقًا فاضحًا لمعاهدة جنيف الرابعة، ولكافة قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية المتعلقة بالصراع العربي / الإسرائيلي ، وأيضًا لاتفاقيات أوسلو، لكنَّ دولة الاحتلال لاتكتفي بالاستيطان ومصادرة الأراضي ، بل تسعى إلى تهويد كامل الضفة الغربية والقدس المحتلة وجميع المقدسات الإسلامية والمسيحية ، وكافة المواقع والأماكن الأثرية والتاريخية في فلسطين ، ورغم كل هذا فلن يقبل الفلسطينون أبدًا تعديل حدود عام 1967، وخصوصًا أنَّ نصوص القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة تمنع المحتل من الاحتفاظ بالأراضي المحتلة بصورةٍ دائمة ، وتمنعه من تحديد حجم الأراضي التي يستطيع ضمّها ، ولهذا فهم يواصلون التصدي للصَلَفَ والغرور والعناد الصهيوني، بإصرارٍ وعنادٍ وثباتٍ على الحق .
وفي ظل الواقع السياسي والإقليمي والدولي المُعقَّد فمن الواضح أنَّ استئناف المفاوضات لن يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة ، وهذا ما أثبتته السلسلة الطويلة جدًا من المفاوضات الفلسطينية ــــــ الصهيونية ، ومن الوساطة الأميركية المنحازة كليًا لصالح العدو الصهيوني ، على مدى 25عامًا ( 1993ــــــــ 2018) ، فلابد من اعتماد وسائل نضالية وتكتيكات جديدة ذكية على طريق تحرير فلسطين ، ومن التكتيكات اليت يمكنها أن تربك العدو الصهيوني وتستنزفه وتجعله يتخبط ولايستطيع أن يفعل شيئًا أمامها زحف الجموع الفلسطينية الغفيرة من قطاع غزة ومخيمات لبنان وسوريا في حركة الفلسطينيين معاكسة سلمية نحو الحدود الفلسطينية المحتلة ، أي الزحف نحو فلسطين المحتلة بعشرات ومئات الآلاف واختراق الحدود والحواجز والموانع والأسلاك الشائكة ، والإلتحام بأهلنا وإخواننا من الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 والضفة والقدس المحتلة ، وهذا المشهد سيكون مذهلًا بحق ، وسيجعل العدو الصهيوني يرتعب خوفًا ، ويقف مذهولًا مرتبكًا قلقًا يراقب باستغرابٍ شديد طريقة جديدة من الزحف السلمي الكثيف الجماهيري والمدني إلى أرض فلسطين التاريخية المحتلة ، وقد يؤدي ذلك إلى استشهاد وجرح العشرات أوالمئات ، ولكنَّ هذا التكتيك الثوري الجديد سيثبت جدواه العملية مرةً بعد مرة في تحرير فلسطين ، ولن يتمكن العدو من فعل أي شيء أمام الزحف السلمي بكثافات بشرية كبيرة ، واختراقها للحدود الفلسطينية المحتلة على مرأى ومسمعٍ من العالم كله ، مما سيجعله يقف عاجزًا عن التصدي للاجئين الفلسطينيين الزاحفين سلميًا نحو فلسطين ، أرض آباءهم وأجدادهم ، ونحو مقدساتهم ، وبالتأكيد لن يجرؤ الجنود الصهاينة على قتل ألف فلسطيني أو أكثر من ذلك أمام وسائل الإعلام الدولي والفضائيات ، ويعرف قادة العدو أنَّه لو تطور الأمر لأعظم من هذا بزحف وعبور ملايين الشبان والفتيات والأطفال والرجال والنساء والشيوخ الفلسطينيين والعرب والمسلمين ، نحو أرض فلسطين التاريخية ، والبقاء فيها ، فستكون هذه هي النهاية المُحتَّمَّة للكيان الإستعماري الصهيوني ، ومع قرب الذكرى السبعين للنكبة الكبرى في فلسطين ، فإنني أدعو لاستنفار ملايين الفلسطينيين في قطاع غزة والمنافي والشتات ، اضافة إلى الآلاف من أحرار العالم المناصرين للقضية الفلسطينية ، والداعمين لحقوق الشعب الفلسطيني ، يصاحبهم جيش من الإعلاميين ووسائل الإعلام المختلفة والفضائيات ، للزحف السلمي المدني نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 ، وحينها سيعجز جيش العدو عن اطلاق نيران رصاصه الحاقد باتجاه عشرات أو مئات الآلاف ، ولن يجرؤ على مواجهة الزحف البشري السلمي المليوني ، ولن يجرؤ على قتل الآلاف من المدنيين الفلسطينيين والمتضامنين الأجانب ، وسيقف عاجزًا عن الحراك أمام هذا البحر البشري الجارف ، فلقد حان الوقت ليبتكر العقل الفلسطيني والعربي المبدع وسائل وأدوات ذكية ومبدعة وغير تقليدية لتحرير فلسطين ، ولنيل الحقوق الفلسطينية المشروعة ، دون تقديم أي نوع من التنازلات للعدو الذي لا يفهم إلا لغة ( القوة ) ، وليس شرطًا المقصود بالقوة هنا فقط القوة العسكرية ، إنما القوة التي تُستمد من عوامل ووسائل وأدوات ومواقف شتى ، وفي مقدمة ذلك ضرورة الوحدة الفلسطينية ورص الصفوف ، وانجاز المصالحة الفلسطينية ، لتصبح واقعًا يفرض على العدو والولايات المتحدة والغرب ، إعادة حساباتهم مع الشعب الفلسطيني وقيادته وفصائله وقواه السياسية الحية ، فالوحدة الفلسطينية ستعزز جبهتنا الداخلية ، وستمنحنا قوة هائلة تجعلنا قادرين على التصدي لكل الضغوط والمكائد والخطط الخبيثة التي تستهدف وجودنا وقضيتنا المقدسة ، وتهدد كافة مقدساتنا ...
إنَّه نداء صادق من مناضل ومجاهد ومبعد وأسير محرر فلسطيني أفنى عمره في النضال والكفاح والجهاد من أجل فلسطين إلى إخوتنا وأحباءنا في جميع الفصائل والقوى الفلسطينية ، لنتحد ونتوحد ونتكاتف ونتلاحم قبل فوات الأوان ، ولنتجاوز كافة العقبات التي تقف طي صفحة الانقسام البغيض وتحقيق المصالحة ، ولنواجه مخططات الأعداء صفًا واحدًا كالبنيان المرصوص ، حتى نفوِّت الفرصة على الأعداء والمتآمرين والشامتين ، من أجل فلسطين والقدس وشعب فلسطين ، الذي بات يعيش ظروفًا في غاية القسوة والصعوبة ، ولننظر نحو القدس والمسجد الأقصى المبارك ، وكافة المقدسات التي يتهددها التهويد ، وشعبكم العظيم يستحق تنازلكم وتضحيتكم عن بعض المكاسب الحزبية من أجله ، فهو الذي قدَّم كل التضحيات من أجل فلسطين والقدس ، ومن أجلكم أيضًا.