الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

امسك فساد!!! (5)


تحدثنا في سلسلة المقالات السابقة "امسك فساد" عن الفساد الإداري وموقف مصر من مؤشر الفساد العالمي والأسباب التي وضعتها منظمة الشفافية العالمية وأدت إلى تراجع مصر، بالإضافة إلى نقد تلك الأسباب، ووعدنا أن نطرح ونناقش بعض النقاط التي من شأنها المساهمة في تخفيض معدلات الفساد الإداري.

ففي رأيي الشخصي أن الجهاز الإداري للدولة مازال في حاجة إلى مزيد من العدالة والتي إن تحققت ستتحقق معها مكافحة جزء كبير من الفساد.

فقد تطرقنا في المقال الأول من سلسلة "امسك فساد" عن بعض أنماط الفساد الإداري والمتمثلة في عدم الإعلان عن بعض الوظائف الإدارية أو تأجيلها، بعد إصدار قرارات التكليف المباشر، ومن ثم يصبح الإعلان عن الوظائف الحكومية صوريًا لأن النتيجة باتت محسومة مسبقًا، وكذلك انتشار ظاهرة المستشارين والكفاءات النادرة، بالإضافة إلى اجتماع الأقارب في ذات الجهة الحكومية خاصةً المحليات منها، والذي من شأنه تدعيم أواصر الفساد الإداري.

وسأكتفي باقتراح آلية أرجو أن تساهم في علاج تلك النقاط.

فأقترح أن يكون هناك جهاز وطني يعمل جنبًا إلى جنب مع الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، بحيث يتولى النظر في كافة الوظائف القيادية، ليكون هذا الجهاز هو المسئول عن التأكد من الإعلان عن الوظائف القيادية بدءًا من مديري الإدارات، على أن يكون له الدور الرئيسي في اختيار الكفاءات ومدى صلاحيتها لتولي المناصب المعلن عنها، ويتمتع هذا الجهاز بالاستقلالية والحيادية، ويتم تشكيل إدارته من ممثلي الجهات الرقابية والسيادية والجهاز المركزي للتنظيم والإدارة ووزارة التخطيط والإصلاح الإداري ويتم الاستعانة فيه بأحد الكوادر الفنية القيادية لتمثل الجهة المفترض أن تتبعها تلك الوظيفة، على أن تتساوى أصوات جميع أعضاء تلك اللجنة، ويتم التجديد كل عامين لثلثي أعضائها، وبالتالي يمر المتقدم على تلك اللجنة التي ستنظر في أمره وكفاءته، هل يصلح لتولي هذا المنصب وذلك بدءًا من مدير الإدارة وحتى منصب وكيل أول الوزارة ورؤساء القطاعات والمستشارين ومن يطلقون على أنفسهم كفاءات نادرة.

وأقترح أن يعمل هذا الجهاز جنبًا إلى جنب بجوار الأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب، والتي سعدت كثيرًا حينما عرفت أنها ستكون البوتقة للمناصب الحكومية فيما بعد.

إلا إنني تساءلت عن مصير الموظفين بدءًا من الفئة العمرية 35عامًا فما فوقها، والذين لا ينتمون إلى المرحلة العمرية التي من المفترض أن تخاطبها تلك الأكاديمية، فهل هناك خطة للتعامل مع تلك الكوادر، أم أن مصيرهم سيترك لعوامل التعرية، وستكتب لهم شهادة وظيفية بوفاتهم إكلينيكيًا.

والنقطة الثانية التي أرجو مناقشتها هي شروط الاستعانة بالكفاءات النادرة أو المستشارين، خاصةَ المدى الزمني الذي سيتم الاستعانة فيه بهؤلاء، فأرى أنه يجب أن يأتوا بتكليفات محددة ينجزونها في خلال فترة التعاقد معهم، على ألا تتعدى فترة التعاقد معهم عدة أشهر أو عام على أقصى تقدير، مع أهمية التأكيد على نقل خبراتهم إلى الكوادر الوظيفية التي تنتمي إلى الجهاز الإداري للدولة، وذلك حتى لا تصبح تلك الفئة حكومة داخل الحكومة.

وإحقاقًا للحق فقد رجعت إلى قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية الصادرة بالقانون رقم 81 لسنة 2016، وبالقراءة المتأنية لمواده، وجدته يحتوي على الكثير من المواد التي وإن طبقت ستساعد في خفض نسبة الفساد الإداري بشكل كبير.

فوفقًا للمادة 49 من تلك اللائحة، فإنه يجوز التعاقد فى حالات الضرورة مع ذوى الخبرات فى التخصصات النادرة، وأضع تحت مصطلح "حالات الضرورة" العديد من الخطوط، فهل تلتزم حكوماتنا بذلك؟، هل استنفذت كل وزارة أو جهة تخضع للقانون ولائحته كفاءاتها من الموارد البشرية وفي حاجة إلى المزيد؟ أعتقد أنه بالتأني في التفكير وقبل الإقدام على تلك التعاقدات، سنستطيع توفير الكثير من الموارد المالية والبشرية، بل وتطوير الكثيرين من الكفاءات البشرية الموجودة بالفعل.

إلا أن هذا القانون لم يضع الفترة الزمنية القصوى للتعاقد مع تلك الكوادر النادرة في الجهة الحكومية. لذا أرى أنه كان يجب أن يتضمنها، فإذا كنا نحتاج تلك الكوادر التي يطلقون عليها "نادرة" لفترات طويلة تتجاوز العديد من الأعوام فكان من باب أولى أن يتضمنها هيكل الجهاز الإداري بدلا من التعامل الوظيفي مع الحكومة من الأبواب الخلفية!!

هل اتبعت كل جهة حكومية نص المادة 51 من نفس القانون وهو إعداد بيان شهري عن الوظائف القيادية ووظائف الادارة الاشرافية الخالية أو المتوقع خلوها خلال ستة اشهر على ان يتضمن البيان مسميات هذه الوظائف ومستوياتها الوظيفية، وشروط شغلها.

فإن اتبعناها، أعتقد أننا سنغلق باب الجدال حول تلك الوظائف وستتحقق الشفافية التي نرغب في الوصول إليها؟

هل طبقنا نص المادة 56 بشأن معايير المفاضلة بين المتقدمين لشغل الوظائف وفقًا للقدرات العلمية والتاريخ الوظيفي والمقترح التطويري والسمات الشخصية والبرامج التدريبية، فإن طبقناها فسنصل إلى العدالة الوظيفية التي نسعى إلى تطبيقها في مختلف الوزارات؟

أضف إلى ذلك أنني أرى أنه علينا أن نعمل على منع وجود أقارب حتى الدرجة الرابعة في ذات الجهة الإدارية أسوةً بما هو متبع في الأجهزة السيادية في الدولة.

فتلك هي آرائي، وتلك هي مقترحاتي التي أرى أنه بتطبيقها أو الالتزام بتطبيقها ستساهم وتساعد على كسر الدوائر المغلقة، ومن ثم الحد من الفساد الإداري.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط