الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الاحتفاء بيوم الأم


هناك قطاع كبير من الناس يظن أن الاحتفاء بالأم في كل عام ذريعة غربية تحت ظلال العناية بالمرأة والإعلاء من حقوقها المهدرة ، بيد أن المدقق والرائي يجد أن المرأة بعامة والأم بخاصة قد حباها الله – سبحانه و تعالى - بالعناية ، والنص القرآني خير شاهد و دليل على تلك الرعاية الإلهية ، وسوف نستمد من القصص القرآني الشاهد والدليل ، فهذه أم موسى التي كرمها الله – سبحانه وتعالى – بذلك الابتلاء الذي كشف عن قوة إيمانها ، فما أصعب أن تبتلى المرأة في رضيعها وهي مع ذلك كانت من الصابرات الطائعات، قال تعالى : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7).

يرسم لنا التصوير القرآني ذلك الصراع الكائن في ضمير أم موسى الشاخصة بدور الأم وفطرتها تجاه رضيعها، تصدق وحي الله بإلقاء ابنها في اليم خشية الفرعون الظالم الذي يقتل الأبناء الذكور ظنا منه بالحفاظ على ملكه وحكمه وفق ما أخبره بذلك كهنته كمفسرين للحلم الذي أفزعه في تلك الأيام.

لتتابع المشاهد القرآنية لقطة وراء الأخرى – وفق النظم القرآني الفريد - كاشفة عن الألم النفسي الذي يصارع الأم من بين الاحتفاظ بالابن ليكون نصيبه الموت على يد جند الملك الظالم ، أو إلقائه في البحر وفق ما أوحي إليها رغم ما يحف البحر من مخاطر ، ليأتي برهان الحق ممثلا في قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ) إنها القدرة الإلهية التي لطالما تعجز أصحاب الحيل و الأسباب في كون العدو الذي يذبح الأبناء الرضع خشية فتى الحلم المفزع له ،هو ذاته الذي يرعاه و يربيه ليصبح بعد ذلك عدوا وحزنا له باعتبار ما سيكون ، وفي ظلال تلك اللقطات المفزعة يعرض لنا النظم القرآني الفريد حالة الترقب والتتبع للرضيع الذي رصدها النص القرآني من خلال قوله تعالى : ( وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ۖ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11)  فالتتبع نابع من الرغبة القوية التي تحرك مشاعر الأم نحو تتبع سير الرضيع رغم أنها آمنت وحي الحق بالرعاية والمحافظة له، إنها ولا شك مشاعر الأم وغريزتها التي فطرت عليها.

الأم هي مصدر الحنان والحماية التي تربى الانسان في كنفه ، وهي رمز من رموز التضحية ، وفي ذلك يفضل الإجمال دون التفضيل ، فمن الصعب أن يفند كاتب مظاهر تضحيات الأم.

الأم رحمة من الله في الدنيا والآخرة، فالبعض من الناس لن يعرف قدرها حتى يصبح عنده أبناء يحبهم ويخاف عليهم من نسمة الهواء ويسهر على تربيتهم ويتعب في هذه الدنيا لأجلهم، عندها سوف يعلم، وخصوصا النساء، تلك المكانة العظيمة للأم ودورها القوي في كل أسرة، وعندها سوف يدرك البعض أن كل ما سمعناه من أمهاتنا من توبيخ أو تأنيب أو معارضة ظنًا منا بأنه تدخل منهن في خصوصياتنا وقمع لحرياتنا الشخصية هو في الحقيقة دفاع وحماية لنا من المهالك.

وحول الرأي الشرعي، أشارت إلى أنه إذا أراد الأبناء أن يحتفوا بالأم ويقدروها حق قدرها، فعليهم أن يطبقوا ما جاء في القرآن الكريم والأحاديث النبوية من الدعوات التي تشدد على حسن معاملة الوالدين في حياتهما والدعاء لهما بعد مماتهما مؤكدة أن الإسلام كرم المرأة باعتبارها أما وأعلى من مكانتها، وجعل بر الأم من أصول الفضائل، كما جعل حقها أولى من حق الأب، لما تحملته من مشاق الحمل والوضع والإرضاع والتربية، وهذا ما يقرره القرآن الكريم، ويكرره في أكثر من سورة ليثبته في أذهان الأبناء ومن ذلك قول الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)، وقوله عز وجل أيضًا: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا).

يكفي أن نشير إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما جاء إليه رجل يسأله: من أحق الناس بصحابتي؟.. قال: «أمك».. قال: ثم من؟.. قال: «أمك».. قال: ثم من؟.. قال: «أمك».. قال: ثم من؟.. قال: «أبوك».. كما روي أن رجلًا كان بالطواف حاملًا أمه يطوف بها، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل أديت حقها؟ قال: «لا، ولا بزفرة واحدة».. أي زفرة من زفرات الطلق والوضع ونحو ذلك.

فلا عجب أن نخصص يوما نكرم فيه الأم ليكون حائلا عن حوائل الحياة وعوائقها الزمنية والمكانية، ولا عجب أن نكون على يقين دائم بأن الاحتفاء بالأم و التعظيم من شأنها الدنيوي لم يك بدعة غربية بل هو عربي المنشأ إسلامي التوجه.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط