الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إعلاء للعقل المصري


عانى المسرحي والشاعر الفرنسي الشهير جُون بَاتِيسْت بُوكْلَان الملقب ب "مُولْيير" والذي عاش في القرن السابع عشر في عصر ملك فرنسا الشهير لويس الرابع عشر معاناة شديدة نتيجة للأفكار التي كانت منتشرة في عصره، والتي كانت ترى في الفن ضربا من المجون، وفي المسرح نوعا من الفسق، ومن التمثيل شيئا من التفاهة، ولكن تلك المعاناة التي تركت آثارها على نفسية الشاعر وجسده، لم تمنعه من الاستمرار في الإبداع، والجهاد في سبيل انتشال العقل الفرنسي من وحل الضيق إلى رحابة التفكير، وحرية الإبداع.

حينما أنظر في عصر المسرحي الفذ موليير، أرى بأم عيني ما يحدث في عالمنا العربي، وفي القلب منه مصر، التي إن نهضت في أي مجال من المجالات نهضت بها ومعها الأمة، أرى في مجتمعنا، كما في عصر موليير بفرنسا ذلك الفهم السقيم لأهمية الفنون، وذلك العقل المغلق على فهم محدود للدين؛ يجعله في مواجهة حتمية - ظالمة ووهمية - مع الآداب، وذاك التفسير السطحي للإبداع، وهو ما يضرب العقل الجدلي في المخيلة الجمعية للشعب المصري والأمة العربية في الصميم، ويخلق مجتمعا يسمع الصوت ولا ينتبه إلى صداه.

يظل دور المثقف حتمي في محاربة الأفكار الخاطئة، وفي إعلاء قيمة العقل، وفي تصحيح المفاهيم التي تؤدي إلى الانغلاق، وكان هذا هو ما قام به رواد عصر النهضة الأوروبي، الذين حطموا تابوهات ظل الناس يدورون في فلكلها قرونا طويلة، فلم يحصدوا منها إلا التخلف، ولم يجنوا منها إلا المعاناة والآلام. وسار على نفس درب هؤلاء فريق من أعلامنا على رأسهم عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، هذا الفريق الذي خطى في هذه الطريق خطوات؛ نراها معتبرة، لم يكتمل بها المشوار الطويل، وإذا بفريق يعاند الزمن يقف في وجه تلك المسيرة، وإذا به نتيجة لتشابك وتضافر عدة عوامل ينتصر جزئيا، وهنا لابد أن يكون للمثقف دور، وإلا كانت الهزيمة كلية. 

من هذا المنطلق كان لابد أن نقف في وجه أحد النواب والذي هو أيضا عضو لجنة التعليم بمجلس النواب، الذي أدلى بتصريحات صحفية يقول فيها: "اليوم الثقافة مليئة بالمشاكل والأحداث الغربية الوافدة من الأفكار القادمة من السينما، نحن لسنا في حاجة إلى تدريس أعمال نجيب محفوظ بقدر تدريس مناهج التربية القومية والدينية للنشء الجديد".

فحينما لا يدرك عضو بمجلس النواب فضلا عن كونه عضوا بلجنة التعليم بالمجلس قيمة مبدعينا، مرة، وقيمة الفنون بوجه عام مرة أخرى، وما تمثله تلك الآثار التي تركوها مرة ثالثة، وينظر لها باعتبارها نوعا من الخلاعة أو العهر، فإن ذلك هو عينه ما عنينا به أننا رأينا في عصر المسرحي الفرنسي الشهير موليير، هذا الذي يعيش بيننا من أفكار، وما يقيم في مجتمعنا من فهم، ذلك الذي يمثل كارثة كبرى في فهم قيمة الفنون بشكل عام والأدب بشكل خاص، وهو يعكس ما يعانيه المجتمع من سيطرة أصحاب الأفهام الضيقة، على المشهد في مصر.

إن هذا الفهم السقيم لأمثال هذا النائب أحد أهم أسباب انتشار الثقافة الهشة في المجتمع المصري، التي بدورها تجعل المجتمع فريسة للأفكار الإرهابية، حيث أن دارس الأدب العظيم - مثل الذي خلفه أديبنا العالمي نحيب محفوظ - يكون صاحب عقلية جدلية، تلك العقلية القادرة على التمييز بين ما يلقى عليها من أفكار، وما يُطْلب منها من أفعال، وما يسعى الآخرون في إسكانه في أفهام أبناء الشعب المصري، وهنا تنتصر تلك العقلية الجدلية، ومن ثم لا يستطيع أصحاب الفهم المنغلق للدين أن يجذبوا إلى طريق التعصب والإرهاب، منتمين جدد.

من البديهي لدى المثقف أنه لو أردنا مجتمعا قويا قادرا على تخطي التحديات والتي منها الحفاظ على شخصيتنا المصرية في مواجهة تلك الهجمة على ثقافتنا الخاصة، فلابد من تدريس الفنون الرفيعة والآداب العالية المستوى والتي منها أدب نجيب محفوظ وطه حسين وعباس العقاد ويوسف إدريس وغيرهم من كبار الأدباء المصريين والعرب.

إن إبعاد أمثال هذا النائب فورا عن لجنة التعليم في البرلمان وكل من لا يستطيع فهم أعمال نجيب محفوظ وغيره من كبار أدبائنا، في ضوء أن الأدب نتاج الأديب، وأن الأديب نتاج البيئة، وأن الأدب يعكس بطريقة فنية المجتمع الذي نشأ فيه، وأن للفنون الرفيعة أهم الأدوار في تكوين الشخصية، بحيث لا يكون لهم أدنى علاقة بالتعليم الذي هو المكون للعقل الجمعي للأمم، والذي هو صاحب الدور الأول والأهم في تكوين الشخصية، هو بداية حقيقية لصياغة عقل مصري واعٍ جدير بأن ينتمي لهذا الوطن الذي مازال يسهم في صنع الحضارة الإنسانية.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط